عبدالفتاح البتول
لقد فتحت النجاحات التي حققتها ايران في العراق شهيتها لما بعد العراق، وخاصة بعد ترسيخ سيطرتها ونفوذها في لبنان وتوسيع وتعميق تحالفها مع سوريا، مما حفز وشجع آيات طهران لمد اعينهم نحو المملكة العربية السعودية التي هي اصلاً داخلة ضمن الاطماع الفارسية والخطط الشيعية، وتصدير الثورة الايرانية عبر شيعة السعودية الذين اسسوا اوائل الثمانينيات الميلادية 1980م الموافق 1400ه منظمة الثورة الاسلامية لتحرير الجزيرة العربية بقيادة الشيخ حسن الصفار، وهذه المنظمة الشيعية وفق ادبياتها تعتبر نفسها جزءًا من الثورة الخمينية الإيرانية، وهي تنطلق من خلال رؤية طائفية مذهبية ترى في حكام السعودية مثل بقية حكام الدول العربية والاسلامية- كفار- وانظمتهم طاغوتية، لهذا فقد كان من اول واهم اهداف- هذه المنظمة الشيعية -تحرير السعودية من الحكم السني وابدالها بحكومة شيعية موالية لايران، وتبدأ خطوات هذا الانقلاب من المنطقة الشرقية في المملكة والذي فيه نسبة كبيرة من الشيعة وقد دشنت منظمة الثورة الشيعية من السعودية اعمالها في القطيف سنة 1400ه بمظاهرات ومسيرات تدعو للثورة الشيعية، ومن شعارات وهتافات هذه التظاهرات -مبدؤنا حسيني - قائدنا خميني- يسقط النظام السعودي- يسقط فهد وخالد!!.
واذا تجاوزنا المخططات الايرانية تجاه السعودية في الثمانينيات والتسعينيات في القرن الماضي، وتحدثنا بما يتعلق بدور ايران الاقليمي بعد احداث سبتمبر فسنجد الخطاب الاعلامي الايراني يتناغم مع الخطاب الاعلامي الاميركي وخاصة عند المحافظين الجدد واللوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية، واعتماداً على احداث سبتمبر ومشاركة بعض السعوديين فيما حدث بحيث استطاع المسيحيون الصهاينة توجيه الاتهامات نحو الإسلام السني أو حسب تعبيرهم - الوهابي- وان الخطر لا يأتي من الشباب المتشدد والمتهور وانما يأتي الفكر الاسلامي السني ذاته، يقول الكاتب الاميركي المعروف فرانسيس فوكوياما :وانا اعتقد ان المملكة العربية السعودية كان لها دور مهم في ترويج الافكار الوهابية الراديكالية. . ان نوع الاسلام الذي يروج له الوهابيون في السعودية لا يمكن ان يتفق مع الحداثة!! ويضيف فوكويا ما قائلاً :ان ايران التي قادت الحركة الاصولية الايرانية فانها ستكون في وضع يمكنها من توضيح امكانية وجود مجتمع اسلامي اكثر حداثة!! ومع ان العلاقات السعودية الإيرانية تتراوح بين مد وجزر وهي في الغالب تجنح نحو التصالح ظاهرياً وسياسياً، إلا انها في الواقع والباطن تشهد علاقات متواترة وندية وخاصة فيما يتعلق بزعامة العالم الاسلامي وقيادته، ومع ان ايران سبقت السعودية في العراق فلم تتنبه السعودية إلا بعد ان حسمت المخابرات الايرانية الامر وتسلمت ايران الملف العراقي كاملاً، عندها شمرت السعودية عن سواعد الجد وشرعت في مواجهة الخطر الايراني ودورها التوسيعي في المنطقة، حيث سمحت للعلماء والدعاة والعديد من الهيئات والمؤسسات بالحديث عن الوضع العراقي، ومناصرة اهل السنة والتعريف بمعاناتهم واوضاعهم المأساوية، وفي الوقت ذاته تحركت السعودية بصورة سريعة وذكية لقطع الطريق امام النفوذ الايراني في لبنان، واستعادة الرياض دورها الريادي والانساني والسياسي في لبنان، استكمالاً لوثيقة الطائف.
هذه التحركات والمناشط التي قامت بها السعودية رغم انها تنطلق من روح إسلامية عالية، ورغبة في الصلح والاصلاح صادقة، فقد جاءت كذلك في اطار التصدي للمشروع الايراني الفارسي في الخليج العربي والمنطقة، لاجل هذا فقد توجهت السياسة الايرانية وبالتعاون مع الشيعة في العراق ولبنان ودول الخليج، توجهت نحو التشكيك بشرعية -السلطة- السعودية ونشر الشائعات والتهويل من اي حدث بما يؤدي إلى الاساءة في السعودية حكاماً ومحكومين، سلطة وعلماء ومجتمع، وفي هذا الإطار جندت ايران القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية الشيعية والموالية لها وذلك للقيام بحملات اعلامية مسعورة وبصورة مستمرة، والمتابع للمواقع الشيعية يلحظ بصورة قاطعة التوجه لاستهداف السعودية الدولة والدعوة، وباعتقادي ان كل باحث ومتخصص في الشؤون الشيعية والايرانية فانه عندما يتعمق في هذه القضية سيجد ان هناك تداخلاً وتماهياً بين ايران والشيعة الاثني عشرية بصورة تلازمية وخاصة منذ قيام ثورة الخميني وانتشار حزب الله اللبناني، وتصل ذروة هذا التلازم عقب احتلال العراق وسقوط نضام صدام حسين وسيطرة الشيعة على مقاليد الحكم، وقد كان الرئىس المصري حسني مبارك صادقاً وواقعياً عندما اكد في مقابلة مع قناة «العربية» على ان الشيعة في جميع الدول ولاؤهم لايران، ومن خلال ما سبق فإن الخطاب الاعلامي للشيعة العرب يسير في الاتجاه الذي يخدم السياسة الايرانية، ومن هذا وفي إطار استهداف السعودية، تأتي التصريحات والدعوات التي يطلقها علماء وزعماء الشيعة والتي تطالب باعادة تشييد مراقد ائمة اهل البيت في المدينة المنورة، والدعوة لعقد مؤتمر عالمي للدعوة إلى احياء قبور الائمة المعصومين في البقيع حسب تعبيرهم، وهذه المطالبة والدعوة كلمة باطلة يراد بها باطل، فبناء القبور وفق العقيدة الشيعية والمراقد والقباب وتقديسها وزيارتها بالصورة التي يقومون بها ليست من الإسلام، وإنما هي بدعة، واما الهدف من هذا فهو الحصول على شرعية التواجد في الاراضي المقدسة بالسعودية لأهداف ومآرب أخرى، ولهذا نجد ان الشيعة يؤكدون على ان اعادة بناء هذه القبور يكون على نفقة الحوزات العلمية الشيعية، ومن هذا الإطار وتأكيداً على ان المسألة تندرج في إطار الاستراتيجية الإيرانية في زعزعة الأوضاع في المملكة العربية السعودية فإن كبار المرجعيات الشيعية ذات الولاء الإيراني اصدرت فتاوى شرعية تؤكد على وجوب العمل لإعادة بناء الاضرحة في البقيع ومنها فتاوى المرجع الإيراني- المقيم في العراق- علي السيستاني الذي أفتى بجواز صرف الواجبات المالية والشرعية من اجل إعادة بناء القبور في المدينة المنورة، بينما أكد المرجع الديني الكبير آية الله العظمى- كاظم الحائري- في فتوى شرعية على ان بناء هذه القبور من شعائر الدين!!!.
ومع أهمية هذه الدعوة والمطالبة لدى الشيعة وإيران، إلا ان الهدف البعيد هو التدخل في الشأن السعودي، وذلك من خلال المطالبة بالاشراف على هذه القباب والاضرحة.
وحسب ما يخططون له فإن هذا الأمر في حال تحققه سيؤدي إلى المطالبة بوضع الحرمين الشريفين في مكة والمدينة تحت اشراف ووصاية إسلامية مشتركة من السنة والشيعة، وقد تزامن هذا مع مطالب شيعة المنطقة الشرقية بحقوقهم المزعومة وحقهم في إدارة المناطق التي يمثلون فيها أغلبية مما يشبه الحكم الذاتي وبالتالي توطيد علاقاتهم الاستراتيجية بإيران التي تحميهم من تسلط أهل السنة الوهابيين عليهم!!!.