فاروق الظرافي
قبل ان نخوض في تفاصيل بعض المواقف الإنسانية التي دفعت ذات يوم بمدير مكتب التربية في تل ابيب إلى بيع شقته التي يسكنها ليواسي بقيمتها بعض المدرسين الفلسطينيين الذين قطعت عنهم السلطة الفلسطينية رواتبهم ليؤكد لمن لا يميزون بين السلطة والتسلط بأن مسألة التطاول على الراتب أمر ترفضه حتى اليهودية، فأين يا ترى يقف يهودنا من مثل هذه المبادرات الإنسانية وبالمناسبة نبارك للرواتب التي تم الإفراج عنها من قبل مدير عام مكتب التربية بالأمانة بعد ان تم احتجازها لأكثر من اسبوع تعرض خلاله العديد من المدرسين والمدرسات للسخرية والامتهان من قبل مدير المكتب بعد ان تجاوزت خدمة البعض منهم ربع قرن من الخدمة المتواصلة في ميدان العطاء والتي وان لم يكونوا قد ارتقوا من خلالها بأنفسهم إلى مستوى الملائكة فيكفي انهم لم يسقطوا إلى مستوى الشياطين فتتلطخ ايديهم بمفاسدهم وتفسد سرقاتهم اخلاقهم لأنهم تربوا على ان يأكلوا من اجسادهم خير من ان تنزلق بهم ارزاقهم إلى مستوى الدناءة والانحطاط.
ومهما اشتدت محنة المعاناة فقد يكون تسلط مثل هؤلاء على ارزاقهم ابتلاء يثابون عليه.
وما اصدق قول الشاعر:
قد ينعم الله بالبلوى وان عظمت
ويبتلى الله بعض القوم بالنعم
ولا ندري إلى متى ستظل امور الناس في بلد الإيمان والحكمة توكل اما لجهلة لا يعلمون أو لفجرة لا يرحمون أو لظلمة لا يعدلون ليس فيهم من يأتي بحسن مقال ولا بكرم فعال وإلى متى ستظل الأنوار تخيفنا كالخفافيش غير مدركين قول الشاعر:
واذا الكريم كبت به ايامه
لا ينتعش إلا بعطف كريم
وأين هؤلاء الكرماء وقد ابتليت البلاد بأناس لم يأتوا بمنفعة أو يبقون على خير إذ وصلت سفالتهم وحقدهم إلى حد ايقاف الراتب وهي خطوط حمراء لم تتجاوزها حكومة اسرائيل في حق من يعملون لديها من الفلسطينيين وهم الذين يجاهروها بالعداء ليل نهار مع العلم بأن المرتبات التي اوقفت لم توقف لجرم ارتكبه هؤلاء المدرسين والمدرسات أو لواجب قصروه ولكن لإشباع غرائز واحقاد في نفوس بعض من دفعت بهم الصدف إلى مناصب قيادية مكنتهم من العبث بالمال العام والاستهتار بأقوات الناس.
ولكن من لم يعدله الحق عدله الباطل ولهؤلاء المتسلطين نقول بأننا حتى وان لم نتخذ كم اعداء في حديثنا فاننا لم نجعل منكم اصدقاء في سرائرنا وكثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق ومهما انشغلتم عن المعروف برغبتكم في المنكر فلا يحيث المكر السيء إلا بأهله وقد قرأت ضمن ما قرأت بأن من علامات قيام الساعة ان يتولى على ارزاقكم من كنتم تحسنون اليهم وليس هذا ما يعيب حالنا اليوم بل العيب ان يدخل مدير المكتب يده في جيبه ويخرج منها خمسمائة ريال ليناولها لاقدم مدرس عرفته الساحة التربوية منذ اكثر من 22 سنة وعندما حاول ذلك المدرس ان يذكر مدير المكتب بأوراق المساعدة التي كان يقدمها للقاضي العرشي رحمه الله وهو نائب رئىس الجمهورية، رئىس مجلس الشعب التأسيسي وذلك المدرس يساعده على ادخالها بحكم انه كان يعمل مترجماً في مجلس الشعب اذا بمدير المكتب يتندر عليه «قاهي إلا هي واصدام» يعني مهما كنت ستظل «لغلغي» ثم يكرر عبارة مر للبيت وانا سوف اطلق لك الراتب اكثر من مرة وعند استغراب ذلك المدرس من عبارة مر للبيت همس في اذنه احد المتواجدين في المكتب بأن الرسالة لا تعنيك بل تعني بعض المعاملين من الجنس الآخر ثم سحبه إلى خارج المكتب حيث عمل على تهدئته وتعزيته بقول الشاعر:
ولا تحسبن الحزن يبقى فأنه
شهاب حريق واقد ثم خامد
ستألف فقدان الذي قد فقدته
كإلفك وجدان الذي انت واجد.