د. صادق يحيى الروحاني
حينما يعلن محمود عباس رئىس السلطة الفلسطينية ان لا لقاء ولا تفاوض مع من اسماهم بالقتلة والإرهابيين.
حينما يتبنى مطالب الإسرائيليين ويدافع عن دولة الكيان الصهيوني فيقوم بسحب سلاح المجاهدين والمقاومين.
حينما يصف صواريخ المقاومة بالحمقاء والمضرة
حينما تتورط اجهزته الأمنية في قتل المقاومين والمناضلين بل ويستخدمها الصهاينة ليس فقط في الداخل الفلسطيني بل ويمتد نشاطها إلى الدول العربية. فيتجسس على الكثير واليمن واحدة منها والوثيقة التي كشفتها «الشموع» ونشرتها جريدة «صوت فلسطين» في العدد «351» وفيها ما لا يدع مجالاً للشك ان الشيخ المؤيد استدرج بصورة استخبارية حقيرة كانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية وبالتحديد التي كان يرأسها رشيد أبو شباك، كانت لها ضلع بالوشاية بالشيخ وغيره ممن وردت اسماؤهم في الوثيقة المنشودة.
وقد عبر السيد مشير المصري خلال لقائنا به عن صدمة الحركة وقادتها من توسع اعمال الجوسسة فقال «كنا نظن أنهم يمارسون هذا النشاط داخل فلسطين فقط أي في الإطار الجغرافي الضيق لوطننا» لكنا ذهلنا حينما وجدنا انهم يتجسسون على اخوانهم وعمقهم العربي، وحينما.. وحينما مما تضيق المساحة عن ذكره تقفز أسئلة كثيرة ولكن أهمها كيف ظهرت طبقة تدافع عن المشروع الصهيوني الاحتلالي؟ كيف تكون هذه الفئة طليعة للمحتل الغاصب أين ذهب دينها وثقافتها وانتماؤها بل وحتى عقلها.
هل الحدث الزلزال الذي شاهدناه وشاهده العالم في غزة كان وليد اللحظة واليوم والساعة التي حدث فيها.. طبعاً لا.
الأزمات والكوارث والنكبات عندما تطول فترتها تظهر فئة طفيلية عديمة الضمير والمروءة وهم من نسميهم تجار الحروب والأزمات الذين يطيلون امد الحروب من أجل مصالحهم وليس هناك من كارثة وحرب في العالم مثل الأزمة والكارثة والحروب على شعبنا في فلسطين فكيف لا تظهر هذه الفئة.
ونعود للقضية من بدايتها فأقول ان خطأ الإنسان العادي وزلته تؤثر عليه هو فقط وان كان هناك تأثير اوسع فعلى افراد اسرته في اسوأ الأحوال والمحيطين به اما زلة الحاكم أو خطأه فتزل به الأمة جمعاء ويتحمل تبعات اخطائه الشعب لقد ذهل العالم حينما ظهر الفلسطينيون والاسرائىليون متشابكي الأيدي يتبادلون «المصقات» مع بعضهم البعض وكأن شيئاً لم يكن وعنونوا الخيانة بعنوان براق وسموهاه شجاعة فاطلقوا عليه «سلام الشجعان» ولو عدنا قليلاً فسألنا عن الأسباب التي أدت بإسرائيل إلى الموافقة على قيام كيان فلسطيني يؤدي إلى دولة هل كان صحوة ضمير يهودية؟ ولكن هل للصهاينة من ضمير أصلاً؟ هل كان شجاعة هل كان نزولاً عند الحق التاريخي والشرعي لشعب شرد خارج أرضه.. لم يكن هذا ولا ذاك؟.
ولو نعود قليلاً إلى الوراء وخصوصاً في 1987/ 12/8م فنجد ان هناك انتفاضة عنيفة اندلعت وان هناك حريقاً شب تحت اقدام الصهاينة عجزوا عن ايقاف الحدث العنيف وعجزوا أيضاً عن اخماد الحريق الناشب وقد جربوا كل الطرق والوسائل ولكن دون جدوى.
نفذ الفلسيطنيون خلال تلك الانتفاضة فعاليات جهادية غير مسبوقة في تاريخ ثورات التحرر العالمية.
فيوم لأعواد الثقاب تتسلح بها الجماهير تحرق ما تصل إليه اليد من عربات ومجنزرات.
ويوم لزجاجات الملوتوف الحارقة التي تقذف على تجمعات العدو ويوم للسكاكين..
ويوم للبيض الحارق الذي يعبأ بالمواد المشتعلة ويقذف على الجنود
ومع هذا وقبل هذا وبعده كانت المساجد هي المحركة للجماهير وهي القائده في الميدان والموجهة للأحداث.
فقاتل الكبار وتكفن الصغار وانطلقوا لمواجهة الدبابات احيل ليل الصهاينة إلى نهار ودب الذعر في صفوف الأفراد والضباط وظهرت لأول مرة ظاهرة تمرد الجنود بشكل جماعي عن الخدمة العسكرية.
وحل الكساد الاقتصادي وبدء الاسرائيليون يدركون ان فلسطين غير آمنة ولا تصلح للسكنى.
بل وهاجرت نخبة المجتمع الاسرائيلي مثل ابنة رابين رئىس الوزراء السابق الذي قتل وكون ان يصل الأمر إلى كبار القوم يفرون فمعناه ان المجتمع في اضمحلال وهو في طريقه إلى الانهيار.
درست الدوائر الصهيونية والأميركية الموقف بشكل عميق فوصلت إلى القناعة السالفة الذكر فكان السؤال الكبير والعسير.. ما هو الحل وما هو المخرج؟.
فتشوا عن حالة متشابهة فوجدوها في فترة الاحتلال البريطاني لمصر وقد كان المندوب السامي آنذاك هوه اللورد كرومر حيث اندلعت الثورة في وجه المحتل ولم يستطع كرومر اخمادها.
فسحبت بريطانيا اللورد كرومر وجاءت باللورد اللنبي مندوباً سامياً في مصر على امل ان يقضي على الثورة وهو القائد المظفر الذي تغلب على جيش الخلافة وركل قبر صلاح الدين بقدمه حينما دخل دمشق وقال قولته المشهورة «ها قد عدنا يا صلاح الدين» مكث اللنبي في مصر شهراً كاملاً يدرس احوالها ثم ارسل تقريراً مطولاً إلى حكومته ابرز ما فيه جملتان ذواتا دلالة عميقة واهمية بالغة.
قال ان الثورة تنبع من الأزهر وهذا امر له خطورته البالغة افرجوا عن سعد زغلول واعيدوه إلى القاهرة وعاد سعد ليطبق نظرية اللنبي عملياً.. اذاً الثورة من الجامع الأزهر والثورة الحالية من مجموع الأزاهر المنتشرة «المساجد» في الضفة وغزة فأعاد التاريخ نفسه وصدرت نفس التوصية فقط تم تغيير الأسماء فاستبدلوا سعد زغلول بالمناضل ياسر عرفات.
ودخل الزعيم إلى غزة واستقبل استقبال الأبطال واوهموا الشعب والعالم بأن شيئاً يتحقق وان الدولة ماثلة للعيان وعاد ليطبق نظرية اللنبي من جديد ونجح في ذلك.
ياسر عرفات رحمه الله كان مناضلاً جسوراً وسياسياً محنكاً فقبل الدخول في اللعبة على امل ان يحقق شيئاً للشعب وللأمة يختم بها حياته ولكن ذكائه خانه فما كان يمشي إلا في طريق مرسوم ومدروس بعناية فائقة ولا بد ان يكون كما يريدون طائعاً أو كارهاً وقد كان كارهاً في بعض الأشياء ومختاراً طائعاً في كثير منها فقد هدم الأسوار والحواجز التي كانت تفصل الاسرائيليين عن العرب وفتح البوابة المغلقة فلم يعد العرب ملكيين اكثر من الملك.
وقام بحرق المراحل دفعة واحدة واسقط البندقية ورفع غصن الزيتون بدلاً عنها انه جنون بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فالمعنى الحقيقي للسلام هو وجود اناس مأجورين يدفع لهم وينفذوا ما يؤمرون به وهذا هو المعنى الواضح الآن اميركا تدفع ملايين الدولارات وعباس وجماعته يقومون بسحب اسلحة المقاومين وقتلهم ومطاردتهم رسمياً وبلا اي خجل حدث مثل هذا في عهد عرفات انما غلف بالدولة وبالسلام وكثر الضجيج حول ذلك حتى ليخيل للإنسان البسيط ان شيئاً قد تحقق.
مرحلة المفاوضات ومرحلة الحكومة والأجهزة الأمنية اثني عشر جهازاً امنياً لا تمتلك هذا الصين الشعبية والفصائل والوزراء لكل هذا جماعة تترزق فظهرت طبقات فاسدة نهبت وقتلت بل ومع طول الفترة اصبحت تدافع عن الاسرائيليين لأن مصالحها وارصدتها بالمليارات مع هذا الوضع ومرتبطة به انها زلة الشاطر وهي سنة عرفات رحمه الله التي سنها لمن بعده استطاع بهذه الزلة ان يخمد الانتفاضة الأولى التي اندلعت 1987م إلى ان جاءت انتفاضة الأقصى في 2000/9/18م عقب زيارة شارون وتدنيسه للمسجد الأقصى وللحق نقول ان عرفات كان سياسياً محنكاً فمما يتناقل عنه انه كان يدخل الأسلحة في طائرته الخاصة وكان بارعاً في توزيع الأدوار بينه وبين فصائل المقاومة وكان يجل الشيخ ياسين رحمة الله عليهم جميعا.
ادرك الرئىس عرفات انه لم يجني شيئاً من مسيرة الوهم ومن سنة الوهم التي سنها وارتضاها فبدأ يتصلب في مواقفه ورفض التنازل عن بعض الأشياء مثل رفضه التنازل عن القدس ورفضه التوقيع والموافقة على عدم عودة الفلسطينيين في الشتات إلا انه اصبح يشكل حجر عثرة في طريق السلام كما قالوا ولا بد من ازاحته فأوعزوا إلى مهندس أوسلوا السيد محمود عباس ان يتحرك ضد رئىسه هو ومجموعته فقهروا الرئىس وأجبروه ان له رئىس للوزراء فقبل مكرها..وتتالت الأحداث وقاطع عباس رئىسه بإيعاز من الإسرائيليين وذات يوم تسللوا إلى المطبخ ودسوا له السم في افطاره ومات محاصراً مسموماً كم تمنيت ان يخرج الرئىس عرفات بمن معه من المجاهدين المخلصين ويخوض معركة مع اليهود ويلقى ربه مقبلاً غير مدبر بدل موته في مقر المقاطعة، لقد قال قولته المشهورة «لقد جاؤوا لي من المطبخ» ومن يا ترى يستطيع ان يدخل المطبخ غير الرفاق وهم بالتأكيد هؤلاء النكرات الذين اتوا بعده رحمه الله ولم يحركوا ساكناً للكشف عمن قتله لا شك انها سنة لكنها سنة سيئة، ولنا لقاء.