بقلم : عادل إبراهيم حمد
اصبح من المألوف سماع تسلل او محاولات تسلل سودانيين الى اسرائيل ثم حملت الانباء مقتل سودانية ثم جرح سوداني وهما يحاولان الوصول الى الدولة الصهيونية. . وهم اذ يفعلون ذلك لا تدفعهم اشواق دينية لاقتفاء اثر موسى ولا بلوغ هيكل سليمان ولا يعرف عن اسرائيل في المخيلة العربية انها الجنة التي تفتح ابوابها لطالبي النعيم من كل جنس ودين. . فلماذا الاصرار على اسرائيل ولماذا لا يفضل هولاء البقاء في مصر او التسلل الى دولة غير اسرائيل. . وما دام في الامر رصاص وموت فلماذا لا يفكرون في اللحاق بإخوة لهم في اليأس يهيمون على قوارب الفرصة الاخيرة التي تتقاذفها امواج الموت وتملأ اشرعتها رياح الهلاك في رحلة المهاجرين «غير الشرعيين» الى جنة اوربا؟.
انها الرغبة في الانتقام. . هم يعرفون ان اسرائيل ليست جنة الارض ولكن لسان حالهم يقول: اننا يا من ظلمتمونا في وطننا نتوجه الى الدولة التي تكرهون. . نغيظكم.
انه حقاً لأمر محزن. . يمموا وجوههم شطر المجهول يملؤهم الاحساس بالظلم والقهر فاذا ما صدر عن النفس الكسيرة سؤال خافت في زفير اشفاق ذاتي «ولكن الى اين؟» اجابت النفس الغاضبة اليائسة «ان شاء الله اسرائيل» كناية عن التأكيد على رفض الواقع ولو بقبول الخيار المستحيل. . واصبح الخيار المستحيل ممكناً تلهث النفس لبلوغه ولو كان دونه الرصاص.
قد تكون الاثارة المرتبطة باسرائيل على الدوام قد جعلت موضوع السودانيين المتسللين هو الابرز من بين اوضاع السودانيين في الخارج. . انه ملف كبير وخطير يحتاج الى معالجة استثنائية نحس معها ان الدولة قد استشعرت الخطر. . وقفة. . نفرة. . صرخة على السودانيين في «المنافي» يسمعونها. . لقد تقطعت السبل بكثيرين منهم ونفذت مدخرات الاغتراب وضعف الانتماء للوطن الذي لا يملكون قيمة تذكرة العودة اليه وناءت ظهورهم باعباء المعيشة فلم يعودوا يحتملون عبء الضريبة و «الزكاة» الذي تشهره السفارة في وجههم اذا زاروها فقاطعوا آخر رمز يربطهم بالوطن في بلاد الغربة. . فقراء بعد ان ذاق كثيرون منهم الغنى وافتقروا بعد ان وصلوا سن المعاش وكبر الاولاد ولم يكتمل تعليمهم او هم فقراء «المغتربين الجدد» الذين يعملون خفراء ورعاة بدريهمات معدودة.
فكان طبيعيا ان تغشى السودانيين في المنافي معاناة الوضع الجديد وسوءاته. . وها هي اخبار ليبيا تقول ان قرابة الف سوداني يقبعون في سجون الجماهيرية وقد حوكم بعضهم بالاعدام الذي نفذ في اثنين فمتى نتوقف عن اجترار السيرة القديمة للسودان في الخارج وكأن السودان قد خلق من طينة خاصة لا يهزمه الفقر ولا تصرعه الفاقة والحاجة والقهر والظلم. . السودانيون في السجون بجرائم القتل والدعارة والمخدرات والسرقة والاحتيال لانهم بشر يجوعون ويمرضون وهم كغيرهم من البشر لهم طاقة احتمال محدودة ولو افترضنا جدلا انها تزيد قليلا عن طاقة بقية البشر.
لقد كانت علاقة جهاز المغتربين بالعاملين في الخارج علاقة مع شريحة مقتدرة يمكن توظيف ارقامها في دعم الخدمات وغيرها وينظم الجهاز بين حين وآخر مؤتمرا يرفع فيه هؤلاء الذين كانوا اغنياء شعارات مثل مليار دولار لاعمار الدار ويرفعون في حياء طلبهم المكرور عن معادلة الشهادة العربية. . ولكن تغيرت الظروف والاحوال وقد آن أوان رد بعض الجميل لهؤلاء الذين اكلناهم لحماً ويجب الا نرميهم عظاما. . ان من رفعوا شعار مليار دولار هم احوج الناس اليوم الى مليم يقيهم مصير الملاحقة والسجون والوقوع في فخ الممنوعات. . فمن للسودانيين في المنافي؟.