محمد طاهر أنعم
بعد صدور الحكم الابتدائي بإعدام الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني الذي معهم بسبب ضلوعهم في قضية حقن الأطفال الليبيين بالإيدز، ثم صدور حكم المحكمة الليبية العليا بالسجن مدى الحياة لهؤلاء المدانين في تلك القضية، بعد دفع تعويضات مالية لعوائل الأطفال المصابين بالإيدز، والذين مات بعضهم وينتظر الآخرون الموت.
بعد هذا كله تفاجأ العالم بتسليم السلطات الليبية لأولئك المدانين من ممرضات وطبيب للسلطات البلغارية ليقضوا باقي مدة حكمهم المؤبد، بزعم وجود اتفاقية أمنية بين ليبيا وبلغاريا، من أيام الحكم الشيوعي في بلغاريا في وسط الثمانينات.
وقد جاء هذا التصرف الأحمق من القيادة الليبية بعد الغضب الذي اعترى كثيراً من الليبيين، وكثيراً من العرب والمسلمين، بل وغيرهم من المهتمين بقضية الأطفال الليبيين البريئين من التلاعب بالقضاء الليبي، وتصرف القيادات الليبية المشكوك في عقلها بالتدخلات المباشرة في تلك الدولة البوليسية البئيسة والتي لا مكان فيها للعدل واستقلال القضاء، فبدل اعدام المدانين تم تحويل الحكم للمؤبد، وبدل تنفيذ الحكم تم تسليمهم لبلادهم لقضاء باقي المدة.
وبالطبع فإن السلطات البلغارية افرجت عن الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني- الذي منحته الجنسية البلغارية- فور وصولهم اراضيها، ضاربة عرض الحائط بالاتفاقية الأمنية التي استخدمها النظام الليبي البئيس للتخلص من اولئك المدانين بحقن الأطفال بالفايروس.
وتلى إطلاق سراح اولئك المدانين ظهور بعض المفاجآت الجديدة، فقط طلع الطبيب الفلسطيني على الشاشات في مؤتمر صحفي مؤكداً فيه براءته التامة هو وزميلاته من تلك التهم الملفقة، وانه سيفضح النظام الليبي، مشيراً إلى ان مسألة حقن الايدز كانت بسبب سياسات اهمال طبية حكومية، وان اولئك المدانين «حسب القضاء الليبي» انما كانوا كبش فداء للحكومة الليبية لتنفيس غضب العوائل الليبية والرأي العام.
وقد قام هذا الطبيب بتوضيح موقفه وتهديده بمتابعة القضية رغم ان هناك اتفاقا رسمياً كان احد بنود الصفقة بين الحكومة الليبية والمدانين حين تخفيض الحكم من الاعدام للبراءة ثم حين تحويل قضاء فترة الحكم من ليبيا إلى بلدهم، ويقضي هذا الاتفاق الملزم والموقع عليه بأن لا يتابع اولئك المدانون الحكومة الليبية قضائياً ولا يرفعون قضايا عليها بسبب فترة الاحتجازات وما حصل فيها من تجاوزات.
والأغرب من هذا مقابلة الساعدي القذافي مع بعض القنوات الفضائية والتي اكد فيها ان القضية برمتها مشكوك فيها، وانها بدأت بإجراءات غير قانونية من اولها، وان الشرطة الليبية!! تلاعبت بالتحقيقات واضاعت الأدلة، لتقوم المحاكمة على اسس غير صحيحة وغير واضحة ليهز بذلك كامل الأسس التي قامت عليها القضية التي شغلت العالم سنوات طويلة.
ورغم محاولة ابن الزعيم الليبي هذا ان يبرئ الليبي وانه قضاء نزيه وممتاز، وليس الخطأ خطأه، إلا انها محاولات يائسة تفتقد للمصداقية فكيف يصدر ذلك القضاء -غير النزيه- حكما بالإعدام ثم المؤبد على قضية تقوم على باطل اصلا، وكيف فات ذلك القضاء- المسيس- معرفة هذه الحقائق التي يتحدث عنها الساعدي الآن، رغم ان القضية اخذت سنوات طويلة، وكان للمدانين محامون يتكلمون باسمهم ويقدمون باستماتة كل الدفاعات الممكنة من اجل نقض تلك الاحكام واثبات براءة موكليهم ولكن تلك المحاكم واولئك القضاة أعرضوا عن كل شيء قالوه وقدموه ليصدر الحكم تلو الحكم بالإدانة الواضحة.
كل هذه القضية تدل برمتها على حماقة النظام الليبي وتخبطه في القضايا الداخلية والخارجية وهي حماقة غير جديدة، بل معروفة مشتهرة وقديمة قدم ثورة الفاتح من سبتمبر والتي جاءت بقيادات وانظمة رجعية تتلاعب بالألفاظ تخادع شعبها المسكين المضطهد وتزعم انها ليست سوى حارسة للنظام وليست ممارسة للسلطة رغم معرفة العالم اجمع ان تلك اكبر كذبة سياسية في التاريخ المعاصر، حيث يحتكر الزعيم الليبي كافة السلطات ويقمع شعبه المغلوب على امره بأسوأ انواع القمع، بل وصل شره للعالم أجمع بدعمه لحركات التمرد والتخريب والاغتيالات والعصابات، ومنها محاولة اغتيال العاهل السعودي، ودعم التمرد اليمني في صعدة.