عبد الفتاح البتول
تعتبر حركة الخامس من نوفمبر 1967م من أهم وأبرز التحولات التي صاحبت النظام الجمهوري في سنواته الأولى، فقد شكلت هذه الحركة خطورة تصحيحية وانقلاباً ابيض اطاح بالرئيس الأسبق عبدالله السلال، وفي إطار الخلاف الجمهوري حول المواجهة مع الإماميين والدور المصري، وكانت معظم القوى والاتجاهات العسكرية والمدنية قد اقتنعت بعزل السلال والقيام بحركة تصحيحية، بل أن المصريين وهم حلفاء السلال لم يعترضوا على هذه الحركة حسب تعليمات وتوجيهات الرئيس جمال عبدالناصر، وهكذا تحركات الدبابات إلى ميدان التحرير والسيطرة على الاذاعة وتم الإعلان عن عزل السلال وقد كان حينها خارج اليمن، وتم تشكيل مجلس جمهوري برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني وعضوية الأستاذ النعمان الأب والشيخ محمد علي عثمان، وكان المحرك الرئيسي للحركة والدينامو هو الشيخ سنان أبو لحوم كما كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من كبار المؤيدين والداعيم للحركة، وحسب ما يذكر الشيخ عبدالله فقد جاءت حركة نوفمبر من أجل الدفاع عن الثورة والجمهورية والحفاظ على صنعاء، وأصبح بقاء السلال رئيساً سيؤدي إلى سقوط صنعاء وتمزيق الصف الجمهوري وحسبما يورده المؤرخ الكبير الأستاذ محمد بن يحيى الحداد فإن هذه الحركة كانت صادقة في عزمها على المصالحة مع الأشقاء ومع اليمنيين الخارجين على النظام الجمهورية، وكان ذلك أساس التغيير الذي قامت عليه الحركة.
ولقد اختلف الناس حول هذه الحركة اختلافاً كبيراً طوال الأربعين عاماً الماضية بين مؤيد ومعارض، حيث وقفت القوى اليسارية والقومية ضد الحركة معتبرين انها رجعية يقول الكاتب والباحث الأستاذ قادري احمد حيدر ان هذه الحركة وتطوراتها كانت المقدمة التي أوصلت البلاد إلى عقد صك الاستسلام ولما كانت المصالحة من منجزات واعمال حركة نوفمبر وكذلك اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري، كما ان من ابرز ما حققته هذه الحركة اصدار الدستور الدائم الذي يعتبر من أهم وافضل أدبيات الحركة الوطنية والثورة اليمنية، بينما يرى اليساريون والماركسيون ان الدستور الدائم يعتبر اكثر الدساتير محافظة واكثرها رجعية وتخلفاً، وهكذا نجد حركة نوفمبر التصحيحية والتغييرية بين مبالغة في المدح وغلو في القدح، وفي كل الأحوال فقد كانت هذه الحركة أساساً وقاعدة لانطلاق الثورة والنظام الجمهوري في آفاق رحبة واستطاعت ان تنقل اليمن إلى الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي، وخاصة أن قادة هذه الحركة وزعماءها كانوا من خيرة رجالات اليمن واحرارها ورموزها الوطنية وكان لأختيار القاضي عبدالرحمن الإرياني دلالات عميقة ونتائج طيبة وهو يمثل العقل والحكمة والحنكة والعلم والوطنية، بالإضافة إلى ان تولى القاضي الإرياني رئاسة الجمهورية شكل صدمة وهزيمة نفسية للقوى الإمامية ومخلفاتها الظلامية، وبوجود الأستاذ احمد محمد نعمان والشيخ محمد علي عثمان في عضوية المجلس الجمهوري وقيادة الحركة ومن ورائهم وامامهم ومعهم القاضي عبدالسلام صيرة والشيخ عبدالله والشيخ سنان والكثير من المشائخ والوجهاء والأعيان، وهذا ما اعطى الحركة زحماً جماهيراً وبعداً استراتيجياً ومكاسب سياسية وعسكرية، كان من ابرزها الصمود في ملحمة السبعين يوماً وحصار صنعاء وصدّ القوات الإمامية والقوى المضادة للثورة والمناوئة للجمهورية، لقد ارتبطت حركة 5 نوفمبر 67م بالانتصار الذي تحقق بعد حرب السبعين يوماً التي انتهت في الثامن من فبراير 1968م بانهزام الإماميين وسقوط مشروعهم في المواجهة العسكرية، بعد ان شاركت المقاومة الشيعية من مختلف المدن اليمنية وخاضت مع القوات الجمهورية ملحمة الصمود والتضحية تحت شعار «الجمهورية أو الموت» فلولا حركة نوفمبر ووجود القاضي الإرياني على رأسها ما بقيت الثورة والجمهورية ولكانت صنعاء سقطت وانتهى كل شيء حسبما ذكره الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته.