عبد القادر سلام الدبعي
الديمقراطية المباشرة والديمقراطية شبه المباشرة والديمقراطية النيابية، فالديمقراطية المباشرة هي ان يحكم الشعب نفسه بنفسه، وذلك عن طريق الاجتماع في جمعيات عمومية، كما كان الحال في المدن الإغريقية القديمة وكذا في بعض المقاطعات الجبلية في سويسرا.
لكننا إذا ما استعرضنا هذا النظام، فاننا سنلاحظ بأن ذلك لا يتحقق عملياً إلا في مجتمع سياسي سكانه قليلي العدد، وتحقيقه في دولة كبرى مترامية الأطراف كثيفة السكان أمر مستحيل.
وجمعية الشعب لا تنعقد إلا للفصل في مسائل خطيرة معينة، وليس لمزاولة شؤون الحكم، ويباشر هذه الشؤون حكام منتخبون وبذلك يتمخض الحال عن ديقمراطية نيابية تسمح بتدخل الشعب في حكم نفسه في بعض الأمور، أما فيما يتعلق بالديمقراطية شبه المباشرة كما هو الحال في الاتحاد الفيدرالي السويسري وفي دول الولايات المتحدة الاميركية والمقاطعات الالمانية فاننا نجد بأن الشعوب لا تشترك في الحكم عن طريق الاجتماع في جمعيات دورية وانما يقتصر الأمر على حقه في مراقبة الحكام المنتخبين وذلك بأساليب شتى، كالاستفتاء والأغراض والاقتراح الشعبي.
فعن طريق الاستفتاء الشعبي يكون من شأن هذا النظام الا يصبح القانون على هيئة الناخبين لاقراره أو رفضه، اما فيما يتعلق بنظام الاعتراض الشعبي، فقد يكون من شأن هذا النظام ان يكون لعدد معين من المواطنين في الاعتراض على القوانين اثناء مدة معينة من تاريخ اقرار البرلمان لها، فإن مارسوا هذا الحق أدى ذلك إلى عرض القانون على هيئة الناخبين لاستفتائها في أمره.
والاقتراح الشعبي حيث يخول النظام لعدد من الناخبين حق اقتراح القوانين وذلك بأن يتقدموا إلى البرلمان بمشروع قانون موقع عليه منهم فيلتزم البرلمان بمناقشته وان قبل البرلمان المشروع كان بها وإلا تعين عليه عرض امره على الشعب لاستفتائه فيه.
اما الديمقراطية النيابية فتعني النظام السياسي الذي قوامه البرلمان الذي يتولى وظائف الحكم كلها أو بعضها وبصفة خاصة الوظيفة التشريعية على أوضاع معينة ويتألف من أعضاء يعينهم الشعب بالانتخاب لمدة معينة وعلى اعتبار ان هذا البرلمان يتولى الحكم بالنيابة عن الشعب الذي يعين أعضاءه.
وفيما يتعلق بخصائص النظام النيابي فانه يتعين أن يكون البرلمان منتخباً من الشعب، وان يعتبر عضو البرلمان ممثلاً للأمة كلها وليس فقط لناخبي دائرته، إنطلاقاً من الأخذ بنظرية الوكالة التمثيلية بمضامينها المتقدمة كما ان عضو البرلمان يصبح مستقلاً بعد فوزه عن ناخبيه طيلة فترة نيابته، فلا يكلف لتقديم حساب لهم عن اعماله وليس لهؤلاء حق عزله وهذه نتيجة منطقية.
كما تحدد مدة عضوية العضو المنتخب بفترة معينة وذلك حتى لا يترتب على استقلاله عن ناخبيه إبان نيابته ان تفقد الأمة كل رقابة على البرلمان، مما يجعل العضو يعمل جاهداً على الاحتفاظ بثقة ناخبيه حتى يضمن إعادة انتخابه في المرحلة القادمة.
والمجلس لا يكون نيابياً إلا اذا كانت له سلطات جدية فلا تعتبر مجالساً نيابية المجالس الاستشارية حتى ولو كان اعضاؤها يعينون بالانتخاب، اذا من المفروض في المجالس النيابية من منطق النظام النيابي انها تنوب عن الأمة في مباشرة سلطاتها.
ان الأمة في النظام الديمقراطي هي مصدر السلطات جميعاً ولذلك تتولى المجالس النيابية السلطة التشريعية اما منفردة كما هو واقع الحال في الولايات المتحدة الأميركية واما ان يتم الاشتراك مع رئيس الحكومة كما هو الحال في بريطانيا.
اما اذا اقام النظام على اساس تعيين أعضاء الهيئة الحاكمة بالانتخاب دون ان تتوفر له الخصائص الثلاث الأخرى كان النظام ديمقراطياً فحسب ومن هنا نميز بين نظام الديمقراطية النيابية وبين ما عداه من النظم الديمقراطية على أساس طبيعة العلاقة بين الناخبين والمنتخبين وقد تميزت النظم السياسية من حيث كيان الهيئة الحاكمة في عالمنا المعاصر على هذا الأساس بالذات فالنظم الغربية وفي مقدمتها الانجليزية والفرنسية والأميركية وغيرها من نظم الدول التي نقلت عنها أو تأثرت بها، ترتكز جميعاً على فكرة الوكالة التمثيلية ومن ثم تعمل كلها في إطار النظام النيابي.
