عبد الفتاح البتول
يظن البعض ان الإنسان لا يكون حداثياً ولا تقدمياً ولا متنوراً إلا اذا رفض الواقع وانكر العادات والتقاليد وتمرد على الثوابت الدينية والاجتماعية والوطنية، والبعض ممن تجاوزوا الحداثة ودخلوا عصر ما بعد الحداثة يرون ان من شروط ومعالم الحداثة والتقدم تجديد الدين تجديداً كاملاً وتبديله بما يتناسب والعصر، ويصل الأمر ببعضهم إلى تجديد القرآن والسنة والشمس والقمر والليل والنهار، حتى يصبح الولاء للدين والوطن والأمة رجعية وتخلف، فالمتدين والوطني متخلف ورجعي ويقف ضد التطور والتقدم والدخول في العصر والحضارة والمدنية.
هذه الأيام وفي سياق الأوضاع والمتغيرات ووسط ما يدور من نقاشات وسجلات وفي مناخات التعددية والديمقراطية وحرية الصحافة والتعبير، في هذا المناخ والجو يكتب البعض رافضاً أي ثوابت دينية أو وطنية، فالانسان حر ان يكون مسلماً وحر ان يكفر ويرتد عن دينه، وهو حرُُ ان يكون جمهورياً أو ملكياً وامامياً أو ان يكون وحدوياً أو انفصالياً، انها الحرية بمفهومها المنحرف والمغشوش، التي تجعل المسلم يشك بالقرآن ويطعن بالسنة ويركل كل تراث الأمة، وعلى المستوى الوطني فإن من متطلبات الحرية عند هؤلاء ومن علامات الحداثة والالتزام بالاشتراكية العلمية والوفاء للمبادئ اليسارية فلابد من التضامن مع الانفصاليين والدفاع عن وجهة نظرهم واحترامها، فمن حقهم ان ينفصلوا ويعلنوا قيام دولة انفصالية فهذا حق يكفله لهم الإعلان العالمي لحقوق الانسان ووصل الأمر لدى البعض اليوم انهم يتهمون كل من يقف ضد الانفصال بأنه ضد مطالب الناس وقناعاتهم !! وانه يبرر للسلطة ما تقوم به ان كل صوت وحدوي اليوم متهم حتى تثبت براءته، الأسبوع الماضي كان الاستاذ محمد اليدومي في قفص الاتهام ودائرة الاشتباه لأنه اعلن في محاضرة عامة رفضه لكل دعوات الانفصال والمناطقية وانه سيقف ضد أي محاولة للانفصال ويوم أمس وفي حواره مع صحيفة «الشارع» اعلن الاستاذ احمد قاسم دماج بكل وضوح وشفافية انه مع المطالب الحقوقية واي حركة انفصالية تحت كل الظروف وتحت كل المبررات انا ضدها!!.
هذا الموقف الوطني والمبدئي الذي جاء من مثقف يساري واديب اشتراكي، اثار المحاور الذي أكد للأستاذ دماج بأن هذا الحديث سيؤخذ عليك وسيقال مثلاً بانك ضد مطالب وقناعات الناس فهذا الكلام يمكن ان يقبل من سياسيين تعشش مقدسات «ودوغما» في رؤوسهم لكن انت مثقف!! هكذا تحدث محرر صحيفة «الشارع» وهو يحقق مع الأستاذ احمد قاسم دماج الذي قاطعه قائلاً: ديماغوجي وحدوي افضل بكثير من عقلاني انفصالي!!.
هكذا هم الكبار واصحاب المواقف والقضايا سواء كانوا في اليسار أو اليمين متدينون أو ماركسيون يعرفون ان هناك ضوابط وثوابت وقيم ومكاسب لابد من الحفاظ عليها والدفاع عنها، لقد كان الاستاذ دماج واضحاً وجريئاً وهو يؤكد ان النظام القائم مش حق الشمال ولا حق الجنوب..!! نعم هذا الحق والعدل والمنطق والواقع، لا احد له الحق ان يتحدث باسم الجنوب ولا الشمال، والذين يرجون الانفصال ويبررون للانفصاليين انما يشعلون النار ويزرعون الفتنة ويبيعون الوهم ويغامرون بالوطن ويقامرون بالأمن والاستقرار، على هؤلاء ان يقولوا خيراً أو يصمتوا.
