عبد الفتاح البتول
في إطار الدعوات والمبادرات التي تستهدف الإصلاح السياسي تبرز مسألة إصلاح النظام الانتخابي عبر تصحيح السجل وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، واليوم ومع انتهاء الفترة الدستورية والقانونية لعمل اللجنة العليا الحالية- أخذ الصراع يحتدم حول كيفية تشكيل اللجنة، فبينما يسعى المؤتمر الشعبي العام لتشكيل اللجنة من القضاة، وفق مبادرة الأخ رئيس الجمهورية للتعديلات الدستورية والتي نصت على تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من عدد من القضاة، في المقابل ترفض أحزاب اللقاء المشترك هذا المقترح وتدعو لتشكيل اللجنة من الأحزاب الممثلة في البرلمان بالتساوي على أن يكون رئيس اللجنة توافقياً، ولا زالت هذه القضية موضع نزاع وحوار بين المؤتمر والمشترك في إطار جولات الحوار الدائرة هذه الأيام والتي تتناول العديد من القضايا المطروحة على مائدة الحوار.
ونظراً لانتهاء فترة اللجنة العليا ولضرورة تشكيل لجنة جديدة فإن هذا الموضوع سيأخذ طابع الأهمية والأولية في قائمة قضايا الحوار، ولما كان هذا الأمر من أكثر القضايا اختلافاً بين المؤتمر والمشترك وفي نفس الوقت من أكثرها أهمية بالنسبة للعملية الانتخابية والتداول السلمي للسلطة، ولاشك اننا جميعاً نطالب بتشكيل لجنة محايدة ومستقلة وذات مهنية وخبرة إدارية ومعرفة سياسية وصرامة في الحسم والبت، ولما كان الهدف هو تشكيل لجنة أولاً وأن تكون محايدة ومستقلة ثانياً، فلا يشترط ابتداءً ان تكون من الأحزاب فهذا شرط باطل، لأن تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من الأحزاب بالتساوي أو بغير التساوي فانها بذلك تفقد شرط الاستقلالية وبالتالي الحيادية، فكيف تكون مشكلة حزبياً ثم نقول انها مستقلة، فهذه مغالطة حتى وان قام اعضاءاللجنة بتجميد عضويتهم الحزبية، فهذا عمل شكلي لا يقدم ولا يؤخر، ويبقى الأعضاء ممثلين لأحزابهم ويتلقون الأوامر والتوجيهات من قياداتهم ولا يعني هذا انني مع تشكيل اللجنة من القضاة بالجملة، ولكنني ارى ان تشكيل اللجنة يكون من عدد من القضاة وعدد من رجال القانون والسياسة وأهل الرأي والحكمة المشهود لهم بالاستقلالية الحقيقية عن الحزبية، والمعروفين بالشجاعة والوطنية وتغليب المصلحة العامة، فهل تعجز عن ايجاد تسع شخصيات تتمتع بالصفات السابقة، حتى لو فرضنا ان ذلك صعباً، الا يوجد في رجال القضاء والقانون والشخصيات السياسية وأصحاب الكفاءات والقدرات حتى وان كان لهم بعض الميول السياسية والعواطف الحزبية إلا انهم أكثر مصداقية ومهنية وشجاعة وطنية واقدر على الحيادية والاستقلالية!! فاذا تحقق ذلك ولو بنسبة «70%» وتم تصحيح وإصلاح السجل الانتخابي والاهتمام بتشكيل اللجان الاشرافية والأصلية والفرعية، والعمل على تحييد الوظيفة العامة والإعلام وبرزت عوامل الثقة المتبادلة بين اطراف العمل السياسي والحزبي، والقيام بإصلاحات دستورية وسياسية أخرى والاتفاق على قواسم مشتركة والحفاظ على الثوابت العامة، والأخذ بالتدرج والمرحلية ومراعاة الظروف المحلية والمتغيرات الدولية، وإسكات الأصوات الداعية للفتنة والتي تفسد أكثر من ان تصلح سواء في المؤتمر أو المشتر، بحيث يتم التعامل مع هذه القضية وغيرها من القضايا بمسؤولية عالية وحكمة ورؤية ثاقبة، بعيداً عن الضجيج والصخب والسباب والتصريحات النارية والعنترية، بالإضافة إلى ذلك فإنني ادعو الجميع وخاصة احزاب اللقاء المشترك إلى عدم تجزئة الأمور وتفريق المسائل، فلابد من النظرة الكلية فلا يصح ونحن نناقش قضية اللجنة العليا للانتخابات ان نفصلها عن بقية مفردات النظام الانتخابي بحيث تكون العملية الإصلاحية كاملة، وهذا يتطلب المزيد من المرونة وتقديم التنازلات من هذا الطرف وذاك، وإذا حدث شد في هذه المسألة فينبغي ان يكون هناك مرونة وتنازل في المسألة الأخرى، اما إذ اردنا ان تكون كل المسائل والقضايا مثالية وفي غاية الطلب ومنتهى الأرب فلا مسألة ستحل ولا قضية ستعالج ولا حوار سينجح، فإن من أساسيات الحوار والتفاوض السياسي المرونة والواقعية وكسب النقاط في جولات متفرقة ومراحل مختلفة، اما الشدة والحدية والنظرة الأحادية فإنها تؤدي إلى القطيعة وتفويت المصالح وزرع التوتر والاحتقان والله المستعان وعليه التكلان.