;

الحكومة والسوق المالية اليمنية 1060

2007-11-25 04:07:49

إن متابعة تحركات الحكومة في المجال الاقتصادي، وجهودها في تطويره، تكشف المفارقة العجيبة والاختلال البائن بين العمل والممارسة والادراك المصرفي في اليمن، رغم ان نوايا الحكومة صادقة في ذلك، وغياب الخبرة والخبراء الاقتصاديين المزاولين للمهنة، يقف عائقاً أمام نجاح جهود الحكومة، في تطوير المجال الاقتصادي.

وان كانت قد لمست الحكومة الأوضاع الاقتصادية المتردية، وعملت على طرح بعض المقترحات وبدأت في تنفيذها إلا ان المشكلة مازالت قائمة، والسوق الاقتصادي يعاني من الأزمات المالية، وان الجهود لابد ان تكون مدروسة بشكل دقيق من قبل المتخصصين ورؤوس الأموال الداخلية، بجانب جهود الحكومة فالواقع اليمني بحاجة إلى سوق مالية تقوم بمتابعة النشاطات الاقتصادية داخل البلد، وتوجد الحلول الجذرية للمشاكل، وتعمل على تنمية الحركة في هذا المجال.

فقد كانت الحكومة بعض الممارسات كي تتمكن من حل بعض الأزمة الاقتصادية فقد كان ذلك ب: الموافقة على الموازنة في الاعتماد الإضافي المقدر ب«288» مليار ريال، وكذلك ضخ مبلغ «92» مليون دولار إلى البنك المركزي، لدعم السيولة النقدية في الداخل وتحسين الاقتصاد وكذلك ما طرح به مجلس الوزراء بعد انقعاد مجلس التنسيق اليمني السعودي، والقروض والمنح المتفق عليها من قبل المجلسين المقدرة ب«240» مليون دولار.

وكل ما هو مطروح من ارقام، لها مبرراتها في الوجود، لأن الاقتصاد اليمني يمر بمرحلة تحولات، ولابد من استيعابها، لأنها ستؤثر بشكل أو بآخر، وسيكون مأساة اذا اثر سلباً، في ظل ارتفاع الأسعار وتقلب اسعار النفط، وكذلك الصراع السعري للدولار واليورو.

ولأن الاقتصاد اليمني محدود، ويسير بخطوات سريعة إلى الوراء فهو بحاجة إلى معالجة سريعة، ومرحلية من جانب آخر، حسب قدرة البلد في تطوير العملية الاقتصادية في أكثر من مرة، يسمع المواطن ان الاقتصاد سوف يتطور، وان دخل الفرد سوف يزداد بالتدريج، وعلى ارض الواقع، نلاحظ ان الحكومة تقوم بممارسات تثبت عكس ذلك تماماً، اي تؤدي إلى تأزيم الأوضاع وخلق مشاكل اقتصادية أكثر تفاقماً.

فمثلاً مازال البنك اليمني يعمل وفق استراتيجية منعزلة عن النشاط الاقتصادي بشكل عام، وان الإدارة فيه معتمدة على اذونات الخزانة المقرة من قبل وزارة المالية، ولذا فإن هذه الجهة تعيش في عزلة، ولكنها شبه تامة، وهي بحاجة إلى تطوير، بحيث تخلق العديد من الفروع والأسواق للتوسيع المزاولة، لدى الحكومة وان اعتماد الحكومة عليه بشكل رئيسي يؤدي إلى العمل العشوائي والاضطراب وهو ما حدث بالفعل وان سحب المبالغ الكبيرة جداً منه يؤدي إلى انعدام أو صعوبة السيولة وهذا يؤثر بشكل مباشر على اداء الحكومة ويجب ان تضع الحكومات التصورات الكلية لمثل هذه المواجهات والمشكلات.

وتعتمد الحكومة كذلك على جهود الهيئة العامة للاستثمار وهذه الأخيرة تعاني من المشاكل الداخلية، سواءً القانونية، أم العملاء، لأن تعدد القوانين الخاصة بالاستثمار وتناقضها، يؤدي إلى بروز الصراعات العميقة بين الحكومة أو الهيئة والمستثمرين، وقد يؤدي ذلك إلى عرقلة النشاط الاستثماري هذا من جانب.

ومن جانب آخر ان الحكومة تنازلت عن حصصها للمستثمرين أو حصص اليمنيين الذين يشاركون في الاستثمار وهنا يكون الاستثمار محدوداً ومؤطراً وان الحكومة اليمنية لا تطور ايراداتها بأسلوب معقول، بل تنفق على الاستثمار وأكثر مما تستفيد والسبب في ذلك غياب الإطار المرجعي الذي يربطها وظيفياً ببقية القطاعات المصرفية والاقتصادية حيث ظلت تعمل بمفردها، وغير مؤطرة بسياق عام، يحدد لها الاستراتيجيات والخطط المستقبلية لتطوير الاقتصاد.

كذلك القروض والمنح التي خرجت بها الحكومة من مجلس التنسيق اليمني السعودي، فإنها لابد ان تكون لها آلية صرف تعتمد عليها الحكومة، بما يعود بصورة ايجابية ملموسة في حياة الناس، خاصة الذين شهدوا هذه التحولات «الاعتصامات والاحتجاجات» إذ مازال الأمل معقوداً لتحسين الأوضاع، ولن يأتي ذلك إلا بالعمل الجاد، والإصلاح المستديم، وتطوير المرحلة بعد المرحلة.

وان «240» مليون دولار، لو استثمرت بشكل سليم، سوف تعود بتغيرات ملموسة في المرحلة القادمة ولأن مجلس الوزراء له صرفيات أخرى، غير التي يقرها مجلس النواب، فإن المبالغ والمليارات تسير وتنفق في غير اطار قانوني، هذا هو ما أثر على مسار الاقتصاد، وبالتالي يتوارث العجز تلو العجز في كل عام.

ان السبب الحقيقي وراء العجز الاقتصادي في كل عام هو ان كل منظومة مالية تعمل في إطار معزول عن الآخرين، هذا التفكك يؤدي إلى غياب معرفة اسباب الصرف والانفاق وبالتالي ذلك يؤدي إلى ضياع المبالغ الكبيرة جداً، من خلال الاختلاس والنهب للمال العام.

والمتأمل لتصرف الحكومة يلاحظ ان ما قامت به من ضخ للاموال إلى البنك المركزي، انما يعكس العجز في التفكير، وعدم وجود الخبرة في تحسين أداء الاقتصاد ولهذا مردود، وانعكاسات تؤثر سلباً بشكل كبير، منها:

تدهور قيمة العملة المحلية

ان زيادة الأوراق النقدية في السوق المحلية، يؤدي إلى ايجاد سيولة مالية تقلل من قيمة العملة إلى درجة يشعر فيها المواطن ان العملة الوطنية تسير نحو الأسوأ، ولذا لم يعد لها قيمة شرائية، وان هناك ارتفاعاً في الأسعار، ينتظر البلد، وكذلك هذا التراكم المالي، ليس قيمة على المستوى المادي المحسوس، فمبلغ «10» ملايين لا يعني شيئاً للمواطن اذا ما اراد ان يؤسس له بيتاً أو متجراً ولهذا سيلاحظ العبث المباشر بالعملة بل وتركها والاعتماد على عملات أخرى لها قيمة شرائية عالية.

تحويل العملات المحلية إلى عملات أجنبية غالية الثمن:

السيولة الورقية في السوق المالية تؤدي إلى خلق الأزمة الشرائية، وكذلك تضخم على المستوى الكم، هذا التضخم يجعل رؤوس الأموال الصغيرة والكبيرة في البلد، سواءً اليمنيين أم الأجانب يسارعون إلى تغيير العملة المحلية بالدولار أو اليورو، أو أي عملة مرتفعة أخرى كالسعودي، وهذا امتصاص خطير في مسار الحياة، ويعيق كل الجهود الرسمية لخلق الاستقرار الاقتصادي مما يجعل البيئة اليمنية تعيش اقتصاداً بعملات متعددة، ومن الأسوأ ما نشاهده اليوم من تعامل رسمي بعملات غير محلية، وهي السبب الرئيس في حصول هذا التضخم بهذا المستوى غير المعهود ولذا وجب مراقبة السوق المالية وفق مقتضى الضرورة المهنية في الأسواق الأخرى في العالم الخارجي، الغربي أو العربي.

زيادة أسعار البورصة :

نعاني من غياب سوق لأسعار البورصة إلا ان اسعار الصرف تختلف كثيراً بين حين وآخر، وهذا يعتمد على اساليب الحكومة وخططها، وقد يلاحظ المرء أن هذه الخطط ادت إلى تزايد اسعار الدولار أو اليورو أو الريال السعودي لأن تدني العملة المحلية يؤدي إلى الاقبال الشديد على العملات الأخرى، وهذا التحول يؤثر على مستوى الشراء والبيع الداخلي والخارجي ويخلق أزمة ارتفاع الأسعار، وينعكس سلباً على حياة المواطن العادي، ويشعر الموظف بغلاء المعيشة.

زيادة الاستهلاك المصرفي المحلي :

وهذه نقطة مهمة امام الحكومة لأن استهلاك العملية يعني القضاء على اقتصاد الدولة، ولا يمكن تطويره بحال من الأحوال وقبل ان يموت الاقتصاد يمثل التصرف الحكومي الفائت لابد من اعادة تشغيل الأطر الأخرى التي تحافظ على العملية الورقية وقد كان هذا الاستهلاك بأسلوب مباشر من قبل شخصيات بعينها أو بتصرفات مجلس الوزراء أو عبر افلاس البنوك الوطنية.

وهذا أيضاً ينعكس على تصرفات المواطن فيقابله استهلاك من قبل المواطن هذا اذا كان يمتلك دخلاً محدداً وان لا مكاسب مرجوة بعد ذلك، ولخفض هذا الاستهلاك في العملة، يجب اتخاذ الإجراءات القانونية المحاسبية الدقيقة من قبل مختصين يثبتون ذلك بالرجوع إلى الحكومة والاتفاق معها بهذا الشأن، لأن دور البرلمان في ذلك محدد ومؤطر وان مجلس الوزراء هو المسؤول الأول.

ولهذا السبب أو ذاك فإن الهدف الرئيس امام الحكومة اليمنية لتطوير ادائها اقتصادياً، ان تقوم بإيجاد سوق للبورصة في المكلا مثلاً والأهم من ذلك ان يكون هذا السوق في عاصمة تجارية من الطراز الأول، بالأخص ساحلية بسبب قربها من الايرادات والتصديرات فلماذا لا تفكر الحكومة بمثل هذه المشاريع التي ستعمل على خلق مناخ حيوي يستفيد منه الاقتصاد، ويغذي مواطن الخلل التي تسببت في تفاقم الأزمة الاقتصادية واوقفت التنمية.

ان أسواق البورصة لها فوائد جمة، لا يدركها اقتصاديو اليمن، أو يكادون يتغابون في ذلك، وسوف تغير حياة الشعب اليمني، وحياة رؤوس الأموال في القطاعين، من ذا لا يحب ان يرى بلده متطورة؟ الكل يوافقون على نفس الاجابة لكن الفعل والممارسة في ذلك لا يتم بالشكل المطلوب.

فهناك فوائد من انشاء سوق المال أو البورصة منها:

- مراقبة دخل الفرد «اليمني» وتحسينه.

- مراقبة ايرادات الشركات العامة والخاصة.

- انشاءفرص اقتصادية لامتصاص البطالة.

- تشجيع رؤوس الأموال المحلية.

- التحكم بأسعار العملات والنفط.

-تطوير الاستثمار بالمنهج الصحيح.

والملاحظ ان هناك العديد من العوائق التي تقف أمام انشاء مثل هذه السوق منها:

1- غياب المناخ المحاسبي العام ذو القدرة الكافية على اعداد الخطط المالية بمصداقية كاملة.

2- ضآلة العرض العام المحتمل من الأوراق المالية، ومحدودية الطلب المحتمل على الأوراق المالية المحلية.

3- غياب الأطر التشريعية والقانونية بشكل وافٍ في المجال التجاري، والاقتصادي.

4- غياب المؤسسات والشركات العملاقة التي تستطيع ان تخلق التوازنات في سوق البورصة.

5- غياب النظام المعلوماتي الدقيق والفعال، الذي يعتمد عليه في اخذ واعطاء المعلومات حول المجال الاقتصادي اليمني.

6- تزايد ارتفاع معدل البطالة وتسارع اتساع رقعة الفقر، دون وضع الحدود لايقافها.

7- ضعف الوعي المجتمعي بالنشاط المصرفي عموماً وسوق المال خصوصاً.

8- عدم استكمال البنية التحتية في المجال المالي.

9- هجرة رؤوس الأموال المحلية إلى الخارج.

والعديد من العوائق التي لابد ان تعمل الحكومة على حلها، مبكراً وإلا لصارت الأمور للأسوأ، بالنسبة للإدارة المالية والتجارية.

واما الحكومة فعليها أن تبذل الجهد الكبير في خلق الإدارة الحقيقية التي تحتاج إلى الإطار الوظيفي العام للاشراف على المناخ الاقتصادي ولا يمكن ذلك إلا بالتأهيل والتدريب والخلق الابداعي المتين ولهذا فالسوق المالية «البورصة» هي الأهم من الطاقة النووية، أو الوعود المجوفة، ولابد ان تعي ذلك بمسؤولية مطلقة لأن مستقبل الأجيال لابد ان يبنى من هذه اللحظة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد