بعد انتهاء الفترة الزمنية لصلاحيات اللجنة العليا للانتخابات وبدء المنظومة السياسية بالتفكير في آلية مناسبة لمناقشة هيكلة اللجنة، وفق توافق حزبي شامل، يأتي ذلك متزامناً مع تصريحات بعض المسؤولين السياسيين في المعارضة، حول شرعية حكومة المؤتمر الشعبي الحالية، وقد تكون هذه نقطة إثارة للجدل، خاصة ان اللجنة العليا للانتخابات مارست عملها في مناخات متعددة ورأت الأحزاب الممثلة بالبرلمان تصرفات أعضائها في الانتخابات البرلمانية، وكذلك الرئاسية..
ومن أداء سير عملها لاحظ المراقبون السياسيون ان هناك بعض الأخطاء والتجاوزات الناتجة عن التدافع السياسي بين الحزب الحاكم، والمعارضة، وقد شكلت عائقاً متيناً أمام نزاهة الفكر السياسي اليمني، بعد ان اعترف بعض أعضاء اللجنة العليا بوجود اخطاء فنية، في الممارسة ومن الحوار الذي تم في عام 2005م بين الحزب الحاكم والسلطة حول العديد من القضايا تم الموافقة على عدد منها، وظلت بعضها عالقة بسبب ضيق الوقت، إذ كانت الأحزاب السياسية داخلة في ممارسة ديمقراطية ونشاط انتخابي مثير، وقد فتح ذلك الأفق امام المعارضة كي تطرح افكارها ورؤاها، وجرأتها في هذه المراحل، خاصة بعد مضي عام من الانتخابات الرئاسية، ولعل وجهة نظر المعارضة حالياً تنصب حول مناقشة اللجنة العليا، بعد انتهاء فترة عملها، وكيفية تشكيلها وفق ضغوط تمليها المعارضة، بعد تصعيد الأوضاع.
لكن ما يراه الشارع العام ان هذا الحوار القائم بين الأحزاب الممثلة بالبرلمان يسير كما هو معهود أي ان كل حزب يريد ان يملي شروطه حول عضوية اللجنة العليا، ومن هنا يرتفع التوتر والصخب حول هذه القضية، رغم ان اللجنة العليا تمتليء بالقضايا الداخلية، بدءاً بالقرارات الإدارية وانتهاء بالعضوية، وهذا الحوار يشمل العديد من هذه الأمور، والتوافق على تشكيلها أيضاً يحتاج إلى النقاش الجاد حول كل جزئية من جزئيات القضية، وان الحوار هنا لم يعد حواراً بالمعنى المتداول، بل دخل مرحلة ايجاد الحلول والايضاحات والطرح للبدائل والقرارات من الحزب الحاكم أو المعارضة.
والتوافق حول هذه القضية مطلب شرعي سياسي وبمصداقية مباشرة في رغبة الأحزاب في ايجاد التغيير الحقيقي الشامل.. خاصة ان الواقع يشهد الحراك حول مفترق الطرق، ومن النضج ان يتم طرح هذه لما بعد الراهن، وهي العتبة الحقيقية التي ستقف عليها اليمن في مشروعها القادم.
وشروط التوافق خاصة بكل نظام داخلي لأي حزب من الأحزاب، وميوله يصنع واقعاً ديمقراطياً حراً ونموذجياً وهو يكرس قبول الآخر بدور كبير في المراحل القادمة للحوار والقضايا المطروحة الأخرى في جدول اعمال لجان الحوار.
وفي التوافق كذلك سد لفراغ اعلامي يعمل على صناعة الأزمات خاصة اللجنة العليا وهيكلتها لأنها مثار جدل عميق وخطير بين الأحزاب، ولذا من الطبيعي ان يكون فيها أخذ ورد، ويستمر أسابيع بعينها.
ولو اعتمد مبدأ الأكثرية البرلمانية في تشكيل اللجنة سوف تلاحظ ان حضور أحزاب المشترك ليس على ما يرام لأن حصتهم في البرلمان قليلة، واعتماد هذا المعيار سوف يكون اجحافاً في حق الأحزاب المعارضة لأن الغالبية العظمى كانت للمؤتمر الشعبي العام، وهذا يؤثر في مسار العملية السياسية المرحلة القادمة وهو بحاجة إلى مراجعة وتوافق.
ولو اعتمد شرط المؤتمر الشعبي في هذا التشكيل، سوف يكون «6» أعضاء للمؤتمر و«3» أعضاء للمعارضة وهذا يطرح تساؤلات عديدة امام المشترك، لأن ذلك كان موجوداً في العمل الماضي في اللجنة، إذ كانت تشكل بأغلبية مؤتمرية.
كذلك لم يتم التغاضي عن «القضاة» وتشكيل النزاهة والعدالة والصراحة، لأن شريحة القضاة هي الأنقى في السياسيين وهم حملة العهد والميثاق، لا يمكن ان يقضوا بغيرما انزل الله، وطرح ذلك الأمر امام الاحزاب في النقاش حول اللجنة العليا، يعد من انجح الرؤى إذ لا يمكن ان يحدث تعارض بين الأطراف، لأن السلطة التشريعية هي التي تفصل في نزاعات الأطراف المتنافسة في العملية السياسية وبحزم عال، ولا يمكن ان تزور أي قرارات أو توصيات ولذا كان ذلك حكيماً، اذا ما اخذت به الأحزاب الممثلة في البرلمان، وفي ذلك حسم مباشر لأي خلاف مستقبلي يمكن ان يحمل اللجنة العليا، أسباب أي نتائج اذ يكون هؤلاء القضاة مستقلين ذوي نزاهة وعدالة مشهودة.
وقد يحتم السؤال «لماذا اللجنة العليا للانتخابات؟» وذلك لأسباب خطيرة ومهمة بعد ان عزفت الأحزاب على رؤى متعددة متفقة أو مختلفة، وقد شكلت اللجنة هاجس الأمن الذي يقف في بوابة المشاركة السياسية ومن هذه الأسباب:
1- صمام أمان لنزاهة الديمقراطية:
ان عمل اللجنة العليا يحتم عليها حراسة الديمقراطية من خلال نقل الصورة الحقيقية لكل إجراءات ديمقراطية وبفصل تام بين كل الممارسات دون انحياز لأية قوى سياسية دون أخرى ويعتمد الشعب اليمني عليها كثيراً في ذلك ولا يمكن ان تبقى الديمقراطية بصورة سليمة إلا اذا كانت اللجنة نزيهة وعادلة في كل تصرفاتها وأعمالها المقررة.
2- تقرر فرز نتائج منافسات الأحزاب.
3- صلاحيتها للتدخل في أي نتائج
وقد شهدت الأحزاب السياسية ان بعض النتائج قد تغيرت بين الفينة والأخرى، وكذلك تم اعادة الانتخابات في العديد من الدوائر ورفض النتائج الأولية، وتم تزوير بعض النتائج، والتصرف بأسلوب عبثي فيها وهذا انعكس على الأداء والمشاركة السياسية لدى احزاب المعارضة وقد كان الأمر في غاية الخطورة، وان مناقشة هذه القضية لابد ان تكون شفافة في الحوار، وجدية حيث ستعمل اللجنة القادمة بعد الوفاق في عملها بمراقبة من قبل كل الأطراف.
4- خلق المنافسة الحقيقية:
استشعار هذه الرؤية يجعل الأحزاب السياسية تعمل على قدم وساق، من أجل خلق واقعها الذي تصورته في برامجها وان المنافسة الحقيقية في السياسة اليمنية تكمن في دور اللجنة العليا ونزاهتها، وصرامتها دون ميل، أو خرق، وان وجود التجاوزات في عملها يؤثر سلباً على المنافسة الحقيقية ويخلق الفجوات بين الأحزاب وانتماءات المواطنين إليها ولذا كان النقاش مهماً.
5- التدافع نحو الشراكة:
قد تمثل اللجنة العليا وتشكيلها إطاراً جديداً في السياسة اليمنية، خاصة في هذه المرحلة المتأزمة، وان التوافق حول تشكيل اللجنة يخلق المناخ الحيوي الهام للشراكة السياسية بين الحاكم والمعارضة والاتفاق على جداول عمل مشترك وحل الأزمات بروح المسؤولية دون اتهامات وامتعاضات.
حيث يصبح الطرفان كالروح الواحدة في تحمل مشاق التنمية والتحديث في اليمن ولذا من الضروري جداً ان يتم التوافق حول اللجنة العليا قبل ان تستعصي على الحل.
ويأتي هذا النقاش المستمر في ظل أمر سائد، طرأ عليه التغير نحو الأسوأ، وفي رؤية تطلعية لتغيير هذا السائد، بواقع بمنشود مازال في اذهان مفكري القيادات السياسية للأحزاب.
ففي السائد والراهن قضايا ناتجة عن تصرفات اللجنة العليا للانتخابات ومن هذه القضايا:
1- سيطرة الحاكم على كل مناحي الحياة لفترات زمنية غير محددة.
2- فساد مالي وإداري.
3- استاتيكية الواقع المعيشي.
4- توقف برنامج الرئيس الانتخابي.
5- تفاقم الأزمات السياسية.
6- الجدل الدائر بين السلطة والمعارضة.
فما تعمل عليه الأحزاب السياسية حالياً هو امتصاص هذه الاشكاليات، وخلق المناخ السياسي الحر، دون ضغوط، وايجاد التداول السلمي الحقيقي للسلطة لأن التداول السلمي سوف يؤثر كثيراً على مسار العملية السياسية ولو تم استيعابه بشروطه فإن الواقع سوف يتغير ولإيجاد هذا التداول لابد من تصحيح عمل لجنة الانتخابات وما يطلبه الحوار اليوم من اللجنة ما يلي:
1- تكوين أعضاء مستقلين، عادلين ونزهاء.
2- الحيادية والنزاهة المطلقة وعدم التعصب لطرف دون آخر.
3- التوافق التام حول هذا التشكيل.
4- حماية الديمقراطية بالوسائل المتاحة.
5- احترام الدستور والقانون.
ان ما يحدث اليوم من تدافع سياسي، هو نواة للإصلاح الحقيقي نحو يمن المستقبل الزاهر، من غير مغالاة ولابد ان تعي الأحزاب السياسية الدور الذي تقوم به، وان هناك أولويات يجب مناقشتها قبل الدخول إلى قضايا أخرى والواقع يجعلنا أكثر حرصاً على إيجاد المعاملات التي تحفظ التوازن والاستقرار وفي أي قضية لابد من المفاوضات المتعددة، وان طريق الاصلاحات مازال مفروشاً امام الجميع، فليحفظ كل ذي حق قضيته مع التفريق بين الثوابت والمتغيرات.