ركزنا فيما مضى في هذا الموضوع على القضية الأولى في إصلاح الديمقراطية وتعميقها، وهي معالجة آثار حرب صيف 1990م وعلى ما يندرج تحت هذه الفقرة من قضايا حقوقية على مستوى المواطن، أو النخب ولأن الديمقراطية مشروع التطلع السياسي اليمني، فلابد من حمايته بشتى السبل، وإصلاح ما اختل بفعل التدافع السياسي في لحظة يمكن فيها العمل والمراجعة واصلاح الذات، قبل ان يأتي يوم لا مجال فيه لطرح الحسابات الشخصية، خاصة في تفاقم ازمات الواقع السياسي اليمني، وتصاعد الاحتجاجات المطلبية والحقوقية وتزامن ذلك مع اعتماد الحوار بين السلطة والمعارضة، وعدم الافصاح عن نتائج هذا الحوار.
صدام الشيباني
ونواصل هنا طرح القضايا لإصلاح مسار الديمقراطية اليمنية ومنها:
ثانياً :حرية التعبير والإعلام:
لأن الديمقراطية قائمة على جهود حرية التعبير في طرح القضايا الساخنة ومناقشتها والمعني بها في الدرجة الأولى «الصحفيون» في وسائل الإعلام خاصة المعارضة وبحجم الإعلام المعارض تقاس هذه الديمقراطية، ولا تنشأ ديمقراطية من فكر واحد.
وقد وصلت حرية التعبير في اليمن إلى حالة نأسف لها لأن هناك اطرافاً تسعى إلى هم حرية التعبير والصحافة وتحاول الحد من انتشار وسائل الإعلام وهذا ضيق افق غير محبذ ولابد ان يكون هناك وعياً بحركة الرأي والرأي الآخر،إذ لا يمكن ان تستقيم الحياة العامة، إلا بوجود الشيء ونقيضه وقد سجلت الحالة اليمنية حضوراً نحو الاسوأ في العام الماضي، لأن اليمن تعتبر البلد العربي الثاني بعد العراق بالنسبة لانتهاك حرية الصحافة والتعبير، ويكون هذا الانتهاك من خلال الاعمال والممارسات التي تقوم بها جماعة ما سواء في السلطة أم شخصيات لا ترحب بالرأي المغاير وللسماح لحرية التعبير لابد ان يكون بمجموعة إجراءات ملموسة، يتم تداولها في ممارسة العمل السياسي ولذات العمل وفق هذه الرؤية كي تكسر هذا الطوق والحصار الرقابي، في حرية التعبير، رغم ان اليمن تشهد تحسناً كبيراً في هذا المجال، وقد تكون نسبة الرأي المغاير وصلت إلى مرحلة متقدمة ديمقراطياً ولكن لابد من اتخاذ الآتي:
سجن الصحفيين :
يعاني الكثير من الصحفيين في اليمن من ممارسات عدوانية غاشمة، اما الضرب، اما الحبس واما المطاردة وكلها لا اخلاقيات لأن حرية التعبير مترتبطة بهذه فلا يمكن ان تكون هناك حرية وحبس ومضايقات في نفس الوقت ولا يمكن ان ترتقي الديمقراطية والعديد من الصحافيين مازالوا في السجون، أو في الحاكم، وتكميم الافواه يعتبر مصادرة لحرية التعبير، كما ان التهديد يندرج تحت هذا الإطار.
ولابد ان تكون النزاهة والحرية هما الأدوات الأكثر سيطرة في الساحة الإعلامية والسياسية ولولاهما لما قامت حرية الصحافة والرأي والرأي الآخر.
الترفع عن صغائر الأمور الصحفية :
هناك طائفة من الصحفيين يبحثون عن القضايا الدنيئة وليس لهم هم سوى المناكفات والمشاكسات واثارة المشاكل مهما كانت نوعها وهذا لا يعد من المسؤولية الكاملة، وتشمل السب والقذف واثارة الشائعات، والكذب على الجهات المسؤولة.
وبقدر ما هي موجودة في اعلام السلطة كذلك موجودة في الاعلام المعارض، مما يجعل التوترات السياسية على أوجها وقد تسبب كثيراً من الاحتقانات السياسية ولابد من العمل وفق مسؤولية تجاه هذه التصرفات لأن حرية التعبير لا تبحث عن مالا يخدم المجتمع بل تركز على أهم القضايا الساخنة التي تغير الأمور نحو الأفضل وأن احتضان وجهات النظر المغايرة يجعل ظهور السلبيات على السطح مما يوجد الحلول المبكرة لأي اشكاليات في هذا الباب، ولذا لابد من الحرص على كل صغيرة وكبيرة في المجال الإعلامي لأن حرية التعبير لا تعني الهتك والسب والقذف غير الشرعي الإعلامي.
ممارسة المهن دون تحفظ :
كل في مجال تخصصه، للسياسي وجهة نظر معينة من قضايا الواقع، وكذلك للاجتماعي وجهة نظر وللإعلامي كذلك وفي إطار تداول القضايا يتم طرحها ومناقشتها وايجاد نقاط الضعف والخلل قبل ان تستشري المشاكل والقضايا على الجسد اليمني، وان التحفظ والسكوت عن قضايا مهمة من صالح المجتمع تناولها يعد مشكلة ووقوفاً في صف غير سوي لأن السكوت معناه عدم ممارسة الديمقراطية بالشكل الأمثل، وكلنا مسؤولون امام هذا الاتجاه وليس من سبيل إلى عدم المشاركة فحرية التعبير تحتم على كل صاحب حق الأداء برؤيته مهما كانت وكيفما كانت تغضب من؟ أولا تغضب أحداً.
فتح المواقع الإلكترونية المغلقة:
هناك العديد من المواقع الالكترونية مازالت مغلقة إلى هذه اللحظة واغلاقها يعني البحث عن الاعلام الخارجي ونشر القضايا اليمنية فيها والأولى ان يتم الافراج عن هذه المواقع لكي تشهد الساحة الجدال الحقيقي في مصائر كل القضايا لأن هذه المواقع تتحدث عن قضايا تتعلق بالفساد والمال العام، والاحتقانات. . . . الخ وكلها تصب في الشأن المحلي، وقد كانت الاعتصامات نواة اصلاح خاصة في المجال الاعلامي، في المطالبة بعودة هذه المواقع حيث يعد حكرها والرقابة عليها ومصادرتها يعني مصادرة كل الحقوق الإعلامية للاعلاميين لأن العالم أصبح قرية الكترونية واحدة في الشرق والغرب وما إلى ذلك.
وطبيعة الاعتصام والاحتجاج تفرض الضغط الخارجي على الشأن الداخلي اليمني لذا يجب ان نبادر إلى اصلاح هذا الشأن قبل ان يفرض علينا من الخارج.
ولحرية التعبير في كل بلد حساسية مطلقة وقد ترفقها الكثير لكن في اليمن لها نفوذ ووجود عميق ولا حياة لليمنيين دون حرية التعبير والصحافة وهي الحل الأمثل لأي نظام سياسي في العالم.
ثالثاً: فهم حقيقة المجتمع المدني:
وهذا مطلوب ممن يعمل في منظمات المجتمع المدني ومن السلطة والمعارضة لأن الحياة الاجتماعية ومنظمتها هي نواة الاصلاح والتغيير حيث يتم مراقبة كل التحولات الاجتماعية والنتائج السياسية المترتبة على ذلك لأن الكثير من مدراء هذه المنظمات لا يعرفون اهداف هذه المنظمات ولا يفهمون التدافع السياسي في الساحة لذا لابد من استيعاب ذلك وفق الاتاحة والفرصة وحتى يعي الشعب اليمني ذلك، لابد ان تقوم المنظمات بحملات توعية شعبية تبين فيه لماذا اقيمت هذه المنظمات وما هو عملها على ارض الواقع؟.
ومن الرؤى التي تحتاج إلى مناقشة ما يلي:
علاقة السلطة بالمنظمات :
تفهم بعض السلطات ان المجتمع المدني حضور سياسي يقف ضد توجهات السلطات وانه مرتبط بالقرب أكثر مما هو مرتبط بالداخل وان هناك تقارير ترفع لأن معرفة السلطة بها مما يجعل التوتر قائماً بين السلطة وهذه المنظمات فتبدأ السلطة بمضايقة هذه المنظمات والأنفع والاجدر ان علاقة المنظمات بالسلطة لابد أن تتم وفق رؤى الاتفاق والتكامل حيث لابد ان تعمل المنظمات على مناقشة الاشكاليات ومعالجتها بالأطر القانونية بجانب عمل السلطة وان اصطناع العداء لا يمثل خدمة للشعب اليمني خاصة ان المجتمع اليمني يعاني من المشكلات العديدة وبحاجة إلى طرح عام يناقش ويحلل، ويبحث عن الحلول الممكنة وهي اي منظمات المجتمع المدني الوجه الأقوى للديمقراطية وبقاؤها يعني الحفاظ على الشراكة الحقيقية وتقدم الحياة العامة في الشارع اليمني، ومصادرتها يعني خلق الأزمات والتوترات واغلاق الحريات.
تحريك المجتمع سياسياً :
في قالب تبادل الرؤى وصناعتها بفعل توجهات المجتمع ووفق البرامج المقدمة يعرف المواطن متطلبات المرحلة المقبلة، ويركز على البرنامج الانتخابي الأجدر بالاختيار ومن هنا يكون تحريك المجتمع نحو المصلحة العامة التي تؤكدها قوى ما، ويعد هذا التفاعل بين المواطن والمنظمات هو الشأن المنشود، ومنه يتقدم المجتمع تدريجياً، اما ان تظل هذه المنظمات بعيدة عن الحياة العامة فهذه مشكلة تعيشها حالياً، وبحاجة إلى معالجة خوفاً من ان يصل المجتمع إلى تكذيبها وعدم الاعتماد عليها في المراحل القادمة.
والتحريك السياسي يكون بالاعتماد على صناعة قرار مهم بجانب قرارات النخب السياسية والمقصود ان تنشر هذه المنظمات في كل محافظات اليمن لأن عددها وصل إلى «6000» منظمة وعملها مازال محصوراً إلى هذه اللحظة وبحاجة إلى برامج عمل وقيادات لها قدرة حيوية في صناعة الحياة العامة ومنها فعلاً يظهر الاختيار بالصورة الكاملة.
اعداد الملفات ورفع التقارير :
هناك ملفات خاصة تعتمد عليها الأطر السياسية وتقوم بهذا العمل هذه المنظمات ويعتمد على الوجه الأكمل على هذه التقارير لأنها تنقل ما يدور في الشأن الداخلي الاجتماعي كما في علاقة المرأة بالرجل وحياتها، أو مراقبة اختلال الحريات والقوانين. . . . . الخ.
كي يتم طرح البرامج والاستراتيجيات السياسية وفق ذلك وقد يتأثر العديد من الشخصيات من تلك التقارير ومن الأفضل والأرجح ان ترفع للداخل وللخارج ولا تكون محصورة على الخارج فقط وكذلك لابد من مراجعة نظام السلطة والمعارضة في هذا الشأن لامتصاص سوء الفهم الناتج عن ذلك حيث تعدها السلطة بأنها منظمة استخباراتية غربية وهذا ما لم يكن ويأتي عن سوء فهم لعمل هذه المنظمات ولابد من معالجتها قبل ان تتفاقم الازمات الجديدة وقبل ان تجيء الانتخابات المقبلة.
وفي رقابة هذه المنظمات على الانتخابات لابد ان تكون بصورة أوسع وأدق وان تعطي لها الصلاحيات الكاملة في الرقابة نيابة عن حضور منظمات غربية في الاشراف.
الإيمان والوعي بالأهداف :
هناك تناقض وتعارض خطير بين الاهداف والممارسات بالنسبة لهذه الجمعيات مما عكس انفصاماً في مسؤولية هذه المنظمات ونقل إلى الوعي العام ذلك مما اعطى تصوراً مغلوطاً لهذه الطبيعة ومن الطبيعي ذلك ولكن لابد من العمل الجاد وترشيد هذه المنظمات لخلق حالة التواؤم بين الأهداف والممارسات حيث تظهر الأهداف بقوتها وتظهر الممارسات بهشاشتها ومن اللازم ان يكون هناك ايمان مطلق بالأهداف من قبل المشرفين والمنفذين وإلا تنعدم فاعلية هذه المنظمات، كذلك لابد ان تنشأ علاقة وطيدة بين هذه المنظمات والجامعات خاصة علم الاجتماعي، لانه سيعمل على ترشيد وتوجيه عمل هذه المنظمات والتغريد خارج السرب لا يفيد شيئاً ولا يحقق مكاسب كبيرة ومتعددة.
وما بين هدف وآخر حضور يجب ان يطرح امام الرأي العام حتى لا تحمل هذه المنظمات مالا تحتمل ولا يساء الظن فيها لنسلم كل الصدامات والتوترات بينها والنخب السياسية ولابد من وجود شفافية مطلقة في التعامل بين هذه الجهات لأن الشفافية هي اساس العمل المؤسسي القائم خاصة من تمتزج فيه الأهداف ما بين الاجتماعي والسياسي.
ولأن الحياة منظومات متراصة بعضها فوق بعض، فإن ما ينتهك في شأن من الشؤون، يعد انتهاكاً للحالة كلها، فلو استقام عمل هذه المنظمات فإن الديمقراطية اليمنية سوف تشهد التحولات الحقيقية وسوف تصنع الواقع المأمول والمنشود، وستميت كل الاصوات النشاز التي تحاول ان تمس الحياة العامة ومن واجب كل القطاعات التفاعل مع هذا الشأن لأن الديمقراطية مسؤولية الكل حيث القطاع الخاص فهي صورة لما يعتمل في الداخل من حراك بكل مستوياته المخفية والمشاهدة ولا يمكن المزايدة على ذلك.