سامي عبد الدائم عبد الله
إن لله تعالى نفحات على عباده تتجلى في أوقات وأماكن يختارها المولى جل شأنه ويصطفيها ترغيبا في الطاعة ومضاعَفة للثواب، حتى يزداد الناس حبا لله واستقامة على سبيل الرشاد.
من هذه النفحات عشر ذي الحجة، من أول شهر ذي الحجة إلى اليوم العاشر منه وهو المسمى يوم النحر أو عيد الأضحى.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري: "ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه العشر - يعني العشر الأوائل من ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
فالرسول الكريم يدعونا إلى مزيد من العمل الصالح وفعل الخير والبر والمعروف؛ لأن العمل في هذه الفترة الزمنية له ثواب كبير ومنزلة عظيمة عند الله تعالى؛ فالمسلم بعد وفائه بفرائض الدين وأركانه التي يتحتم عليه أداؤها والقيام بها يستزيد من نوافل الصلاة والصيام والصدقة وصلة الرحم ومساعدة المحتاجين ومساندة البؤساء وكفالة اليتامى وتفريج هموم المكروبين.
وهذا العمل الصالح مطلوب في كل وقت لكنه يتأكد في العشر الأوائل من ذي الحجة.
وإذا علمنا أن المجاهد في سبيل الله موصول الثواب دائمًا وأنه يَعدِل الصائم القائم القانت بآيات الله الذي لا يَفتُر من صيام ولا صلاة. . أدركنا مدى فضل الله على عباده في عشر ذي الحجة.
وقد اجتمع لعشر ذي الحجة من دواعي التفضيل الشيء الكثير، فهذه الأيام من الأشهر الحرم التي عظَّمها الله تعالى وجعلها دينًا قيمًا، وتلك الأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.
ومن معالم هذه العشر الأوائل من ذي الحجة يوم عرفة الذي يمثل الركن الأساسي في الحج؛ فالحج عرفة، فمَن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج وعليه أن يقضيَه في العام التالي.
وصيام يوم عرفة له فضل جزيل، وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتَسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبلَه والسنة التي بعده".
والمعنى أنه يكفِّر ذنوب صائمه في سنتين، والمراد الصغائر ورفع الدرجات، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة نصوح، وأما حقوق العباد فتحتاج إلى رد الحقوق لأصحابها.
وبهذا يكون المسلمون جميعا وقوفا على باب الرحمة والمغفرة، هذا بحجه وذاك بصومه.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل يوم عرفة كما في صحيح مسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتِق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء".
والمراد بالدنو هنا دنو الرحمة والكرامة لا دنو المسافة والمماسة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وفي رواية لأحمد وابن حبان والحاكم قال عليه الصلاة والسلام: إن الله يباهي بأهل عرَفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبْرًا.
وقد يتساءل البعض ويقول: أيهما أفضل هذه العشر الأوائل من ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان التي أحياها الرسول وأيقظ أهله فيها وجدَّ وشدَّ المِئْزَر؟
والجواب كما افاد العلماءأن أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان؛ لأن في الأولى يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر، ويوم عرفة ويوم التروية وهي أيام مباركة، وأن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ لأن في الأولى ليلة القَدْر، وهي خير من ألف شهر، أي أن التفضيل في عشر ذي الحجة باعتبار الأيام، وفي عشر رمضانَ باعتبار الليالي.
فضل العشر الأوائل من ذو الحجة
وفي أوائل هذا الشهر الكريم عشرة أيام أقسم الله بها في كتابه (والفجروليال عشر) وهي من أفضل الأيام عند الله والعمل الصالح فيها مضاعف الأجر والمثوبةعند الله، والأشهر الحُرُم مفضلة عند الله سبحانه وتعالى على سائر الأشهر
فالعشر أيام الأولى من شهر ذو الحجة مفضلة لأنها من الشهر الحرام شهر ذيالحجة ولأن شهر ذي الحجة بالذات اجتمع فيه أمران أنه من أشهر الحج ومن الأشهرالحُرُم، يقول الله سبحانه وتعالى (الحج أشهر معلومات) شوال وذو القعدة وذو الحجة شوال من أشهر الحج فقط وليس من الأشهر الحُرُم ولكن ذو الحجة اجتمع فيه الأمران هووذوالقعدة أيضاً من الأشهر الحُرُم وأشهر الحج، أيضا هذه الأيام يقع فيها كثير منأعمال الحج، يوم التروية في عشر ذي الحجة ويوم عرفة في عشر ذي الحجة،ويومالحج الأكبر وهو اليوم العاشر يوم العيد، يوم النحر، هو من عشرة ذي الحجة وأفضلأيام السنة في هذه العشر وهو يوم عرفة فليلة القدر هي أفضل ليالي السنة على الإطلاق ويوم عرفة هو أفضل أيام السنة على الإطلاق، كما أن ليالي العشر من رمضان أفضلالليالي، فأيام العشر من ذي الحجة فيها أفضل الأيام، فهذه بعض فضائل هذه الأيامالعظيمة التي صح في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنويه بها والبحثعلى طاعة الله فيها. والمطلوب من المسلم في أيام عشر ذي الحجة التي فضلالله فيها الأعمال على غيرها، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى ومن رحمته أنه كماجاء في الأحاديث "ألا إن لربكم في دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها" الله سبحانه وتعالىما بين الحين والحين يجعل لنا فرصاً هي مواسم للخيرات، مواسم لأهل الطاعة والتقوىكما أن في الدنيا مواسم ينتهزها أهلها ليضاعفوا فيها النشاط ليكسبوا فيها المزيد منالربح والمال،الله سبحانه وتعالى جعل لأهل الآخرة مواسم أيضاً، شهر رمضانموسم، عشر ذي الحجة موسم، الأشهر الحرم موسم، فهذه بعض مواسم الخيرات التي يتيحهاالله سبحانه وتعالى، ومعنى أنها موسم أن الإنسان يحاول أن يزداد فيها من التقرب إلىالله سبحانه وتعالى بعمل الصالحات واجتناب السيئات، فمن الأعمال الصالحة ما وردعن النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الأيام العشر قال "فأكثروا فيهن منالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير" ذكر الله سبحانه وتعالى ولذلك كان الصحابةيذكرون الله في عشر ذي الحجة، يذكرون الله سبحانه وتعالى حتى في الأسواق،حينما يلقى بعضهم بعضاً يكبرون "الله أكبر، الله أكبر" حتى يرتج السوقبالتكبير، أيضاً الصدقة في هذه الأيام يضاعف فيها الثواب، ويستحب صيام التسعة من ذيالحجة، وأوكدها صيام يوم عرفة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال "صيام يوم عرفةاحتسب على الله تعالى أن يكفر ذنوب سنتين، سنة قبله وسنة بعده"،
أماالحجاج فلا يستحب لهم الصوم في هذا اليوم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً فيعرفة وشرب أمام الناس حتى يعلموا أنه مفطر ليكون ذلك أقوى للإنسان على طاعة اللهولا يتعب في هذا اليوم، ومن الأشياء المستحبة في هذه الأيام التواصل بين الناسبعضها وبعض، زيارة المؤمنين بعضهم لبعض، وخصوصاً في أيام العيد.
فما أحرانا أن نستقبل هذه المناسبات الكريمة بالتوبة الصادقة والاستقامة على الحق والاعتصام بحبل الله القوي المتين.