د. فضل بن عبد الله مراد
أستاذ مقاصد الشريعة وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان
"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحَدَثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" هذا حديث صحيح من الأصول الجامعة:
السنة: هي المنهج الكلي الذي يسير عليه أشخاص: وهي- عند أهل اللغة- الطريقة: وهو بمعنى المنهج المسلوك في عموم الأقوال والأفعال والعقائد وهذا النص النبوي الصحيح له دلالات متعددة كلها تصّب في عضد الاتّباع لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده.
فأمر أولاً بالسرعة والمبادرة للزوم سنته بصيغة "عليكم"الذي هو اسم فعل أمر بمعنى الزموا إلا أن هذه الصيغة تفيد معنى أكثر مما يفيده الأمر وهو الإلهاب ووجوب سرعة المبادرة وعدم التأخر لحظة واحدة في التمسك والاعتصام، لأن التأخر لحظة عن سرعة الاستجابة لله ورسوله وسرعة الاعتصام بحبله قد تكون هي اللحظة الكارثية المفضية إلى الهاوية.
وأن بعض القرارات المصيرية في حياة الشخص أو في حياة الجماعة، أو في العلاقة الاجتماعية، أو محيط الأسرة أو المحيط التجاري، بل حتى في شؤون الدولة من القمة فما دون: إنهَّا إن لم تكن موزونة بميزان الشريعة مهتدية بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيا لها من لحظة خطرة قد تغيّر كثيراً من مجريات أيامنا القادمة، لذلك جاء هذا الأسلوب النبوي الآمر بأسلوب يفيد سرعة اللزوم وشدته، إن هذا الحديث يفيد أصلين عظيمين:
أ - سنة رسول الله وهي منهجه القولي والعملي والاعتقادي التطبيقي للشريعة.
ب - سنة الخلفاء الراشدين وهو ما كانوا عليه من منهج كلي في تصرفاتهم القولية والعملية وفي اعتقاداتهم.
فكل ما سنه الراشدون في شؤون الدولة وسياساتها وشؤون الاعتقاد والمال والقضاء والتعامل مع الكتاب والسنة كل ما فعله هؤلاء ممّا شاع وذاع وفي ذلك القرن وعمله الصحابة فهو المنهج هذا ومنهج الله هو المنهج الكفيل بالإنقاذ البشري الشامل.
انظر معي في أسلوب انتقال الحكم من شخص إلى آخر، انظر معي في شروط الإدارة ومحاسبة العمّال، وتوزيع الثروة والعلاقة الدولية بالآخر، وانظر إلى عقيدتهم الصافية في التوحيد لله عزّ وجل والتحاكم إليه، وعدم الإشراك به شيئاً، وعقيدتهم في الولاء لكل المسلمين والمؤمنين، حب بعضهم لبعض حتى حاول اعداء هذا المنهج أن يثيروا بينهم نقاط الخلاف ويزيفوا الحقائق على الأجيال حتى تربى جيل يظن أن هناك تباغضاً بين عمر وعلي رضي الله عنهما جعلوا منها قضية سياسية بعد ذلك هدفها الكرسي حتى صوروا أن من أذهب الله عنهم الرجس هم فقط طلاب سلطة وكرسي، هذا وغيره سببه الانحراف عن منهج الراشدين المهديين وجماعة الصحابة.
وانظر معي أيها القارئ منهج النبي وصحابته في مسألة التمسك والاعتصام والتعبد والحقوق المدنية كل منهجهم قام على الوسطية وعدم الغلو وقام على أصول وثوابت هامة. . إن هذا المنهج العام يجب أن يعُّض عليه بالنواجذ وهي الأنياب وما قرب منها وفيه تصوير عجيب لما يجب أن يكون عليه كل مسلم في منهجه الحياتي، من القبضة القوية على ما سار عليك السّلَف.
وثم لفتة أخرى في الحديث هي في قوله صلى الله عليه وسلم "وإياكم ومحدثات الأمور" إنه يعطي مفهوماً أن الاعتصام بالكتاب والسنة "سنة رسول الله" والراشدين هي طريق السلامة الوحيدة، وغيره محدث والمحدث بدعة.
أيها الأخوة المؤمنون إن من عمل كعمل الصحابة فهو على الطريق الصحيح، ومن خالف ما عليه الصحابة فهو على بدعة وضلالة، قد فاجأني أناس قالوا: إن الأذان الأول في الجمعة بدعة مع أنه عمل الصحابة في زمن عثمان وآخرون بدعوا الترويح وقد عملها الصحابة وفيهم عمر وعلي وعثمان وابن عباس وغيرهم.
وآخرون فسّقوا المخالف في مسائل الاجتهاد والمعتبر أو ضللوه وهاهم الصحابة اختلفوا في مسائل الاجتهاد ولم يفسّق بعضهم بعضا وآخرون رضَّوا عن بعض الصحابة ولم يرضُّوا عن آخرين مع أن الله رضي عنهم كلهم في كتابه وهلم جرا، وحقيقة الأمر راجع إلى عدم الالتزام الكامل بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته حسبما أمر به في هذا النص وتقديم أهواء شخصية ومطامع وجعلها دامغة ومتَّبعة وموجّهة ومن هنا يأتي الخلل. . وإلى لقاء آخر.