د. فضل بن عبد الله مراد*
لا يقوم مجتمع أو عمل بل حتى الزوجية بل حتى الشخصية لا تقوم إلا بصفتين هما الصدق والأمانة.
وإني أبيّن مصداقية هذا المقدمة وأيضاً في نفوسنا لا يمكن أن تعالج أمراض ذاتك، ولا يمكن أن تواجه ضرورة هجوم دواعي النفس الآمرة بما يهلك، إلا إذا صدقت معها وكنت أميناً في نصيحتك وفي علاجك.
إن أدواءنا وأمراضنا هي من الداخل صراع بين أن تكون إنساناً مكرماً أولا تكون.
أتدرون أن فينا قبولاً من الداخل أن نسمو بالروح والإنسان حتى يصل إلى درجة الملائكة وهي درجة الصديقية البشرية ودرجة الصديقية مأخوذة من الصدق.
فيها لهذه الخصلة الهامة في بناءنا وإصلاحنا.
إن الرسالات المحلية، والإقليمية وخاتمة الرسالات الرسالة العالمية لنبينا (ص) إنما قامت مبكرة على الصدق والأمانة حتى أصبح لقباً لرسولنا (ص) "الصادق الأمين"
وإن أتباعه على هذا الوصف سائرون. إلى أن يلقاهم على حوضه الشريف.
إن الخائن هو كاذب والصادق هو أمين فلا يمكن أن يجتمع الصدق مع الخيانة أو الكذب مع الأمانة
لذلك ذكر رسولنا من أهل النار رجلاً قال "ومن أهل النار رجل ضعيف مخادع لا يمسي ولا يصيح إلا وهو يخادعك في أهلك ومالك".
أيها الأخوة أيها العاملون أيها المدراء. هل وقع أحدنا يوماً في الخداع المالي. . هل وجدت هذه الصفة مرة واحدةً. . أم مرات هل أصبحت جزءاً منَّا ومن أخلاقنا وسلوكنا اليومي، إنها والله الكارثة لو كان ذلك. لأن معناه عدة أمور.
معناه إنا على حافة الهلاك معناه إنا قريبون من النار محل غضب الله ولعنته.
إن المخادع المستمر على الخداع في الأهل والمال هو من أهل النار أخبر بذلك محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم سيمهله الله أياماً بعد أخرى لعله يتوب ثم ينكشف أمره فيكون قد هتك الله ستره في الدنيا قبل الآخرة. إن الخيانة أيها الأخوة والكذب لا يمكن أن يخفى لأن الله سبحانه وتعالى هو من سيتولى كشفه في كل حركة وتصرف في فلتات اللسان، في صفحات الوجوه، في النظرات والكلمات، لذلك قال عن المنافقين التي من أبرز صفاتهم الكذب والخيانة. ((ولتعرفنهم في لحن القول)) أي أنك تعرف المنافق حتى في مفهوم كلامه ومؤداه.
وقال عن الخونة ((ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم)) فهذا كشف رباني.
وقال تعالى "وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله" هكذا يتولى الله بنفسه محاربة كل مخادع وأفاك وخائن ثم يرجع كل خيانة وخداع على رأس صاحبها وفي نفسه وأهله وماله "وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون".
فعلاً إن الخائن لا يخدع إلا نفسه، ولكن لا يشعر ثم لا يشعر حتى يتولى الله فضحه وعذابه ونهايته.
إن من الناس من يقلب الحقائق والأمور ومن يخفي الخيانة ويظهر الأمانة والنصح، ومن يفرح بعدم انكشافه مرة ومن يقدم رضائه قبل رضا مولاه، ومن يخون عمله الذي هو فيه ويفرح إذا لم يكتشف ولا يدري أن كل هذا عقوبة لأن اشد العقوبات أن تكون في عقوبة وأنت لا تشعر بل قد تفرح بالحرام وهنا النكبة. .
وقد يتلاعب كثير بالدوام الرسمي باسم تناول الإفطار، ومرة الشاي ومرة باسم مرض، ومرة باسم تعزية، ومرة باسم إسعاف، ومرة باسم زحمة السير هكذا تُقلب الحقائق.
وقلب الحقائق من صفات المنافقين قال تعالى ((وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون)).
أيها الموظفون إن وقتكم من الساعة كذا إلى الساعة كذا أصبح بحسب العقد ملكاً لآخر وأصبح المال المتفق عليه بينكما لك أنت إن هذا هو الصراط المستقيم، وثم تصرفات هوجاء منحرفة احتيالية من الكثير على الكثير من الطرفين أو من طرف.
لماذا يطرد الموظفون؟ لماذا تفشل الأعمال؟ لماذا تفشل المؤسسات والشركات؟ ولماذا تفشل الدول والحكومات؟.
إنه بسبب الخداع والكذب والخيانة حتى يصبح له فلسفلته الخاصة وله أنصاره فيا للعجب كم آسف وأضحك حينما أسمع عن التحدث عن الفساد والمفسدين من مفسدين وفاسدين إنه يتكلم وقلبه ونفسه تلعنه وتقبحه فضلاً عن المستحيل، إن سائقه وسكرتيره ومديره وموظفيه يمارسون تلك الأخلاق النهبية المعدية لما رأوا ذلك من البعض بلا حساب ولا سؤال.
أتدرون أن من كان طاهراً في يديه وقلبه من الموظفين إن لازم الصمت على المنكر أصيب به. بالعدوى، أما لو نطق بإنكار فقد يجد نفسه في الشارع مفصولاً، مبلوماً محسوراً، أقول قد للتحقيق والتقليل لأننا اليوم نريد أن نحقق لنكشف أمر الرجال الصادقين الأمناء.
إن كانوا أهل إرادات لا تقهر فهم صادقون، لأن الإرادة التي لا تقبل المساومة إنما توجد في نفس أبيه مطبوعة على المصداقية وهناك إرادات هناك محاولات، هناك أصوات مرتفعة بدأت هكذا وبالصدق الصادق والأمانة الأمينة تحولت في بلدان مستعمرة إلى ثورة، وفي بلدة فقره إلى ثروة وفي بلدة جاهلة إلى تعليم نوعي. وفي بلد استبدادي إلى واحه للحرية إذاً فكل حاد يحدوه غير الصدق فلن يثمر.
إن الصدق ينشأ بين اثنين فيتحول إلى "صداقة"
وبين زوجين فيكون عشرة عمر وسكن ومودة، وبين الراعي والرعية إلى مراعاة للمصلحة العامة والحقوق والواجبات.
وبين أفراد أو شركات أو مدير وموظفين إلى شراكة حميمة تأخذ وتعطي وتنفع وتنتفع، إلا أنها بيننا أيها المسلمون تتحول إلى "أخوة" وهي أعلى رتبه اجتماعية وبين متباعدين من قبائل مختلفة وأماكن مترامية لذلك استحقوا أن يكونوا في منازل يوم القيامة يغبطهم النبيون والشهداء فيسألون عنهم فيقال هؤلاء المتحابون في الله المتباذلون فيه المتواصلون فيه.
إنه تصور عجيب أن يرفع النبيون أعناقهم انبهاراً بمكان هذا الزمرة.
لذلك كانت أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، إن هذه الأخوة هي التي تحول البلاد والأمة بل والدنيا إلى إعمار وبناء عبر عنه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "المؤمن للمؤمن كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
إي والله إنه عروة النجاة وعروة المال والأعمال والإعمار والتنمية.
لذلك سمى الله في مواضع من كتابه النفاق وكل ما يضاد هذه الروح "مرض" نعم إنه مرض إنه إرجاف، إنه خيانة، إنه عمالة وابتزاز وكذب وتزوير وتلفيق إنه جاسوسية، إنه تزلف كاذب، إنه غضب على كل مظاهر العافية والأخوة القاتلة لمكامن هذا الداء الدوي.
إنه أقبح وصف شعبي ديني "إنه النفاق".
* أستاذ مقاصد الشريعة وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان