د. فضل بن عبد الله مراد *
قال تعالى في سورة السجدة: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون).
فيه أم لا أظلم ممن رد الأدلة الشرعية لا بدليل بل بإعراض!! وفيه أن من تصرف مع الأدلة بإعراض مجرم، وفيه أنه ينتقم الله منه- هذه ثلاث حقائق وقواعد.
انظر إلى أحوال الناس مع القرآن والسنة اليوم.
هاهم يوالون اليهود والنصارى. . هاهم أعرضوا عن أدلة الجهاد، والنصرة لغزة وغيرها ولرسول الله الكريم، وحملة لوائه.
هاهم أعرضوا عن أدلة تحريم الربا ففتحوه في أركز البنوك الرسمية، هاهم يأذنون بالخمور أن تباع وتشترى من مسلم ولمسلم وغيرهما، ها هي المراقص والفواحش والقنوات والشبكات، هاهو ظلم الجرعة، والبلدية، والضرائب وأمثالها مما لا تقره الشريعة من رهط المفسدين، هاهي الصحف تعبث وتتجاوز، هاهو الحجاب سقط ونودي به.
هاهم المجرمون ينادون بمساواة المرأة مع الرجل في الميراث والشهادات، هاهم المحتالون على الشريعة من الطوائف والفرق معرضون.
إذاً نحن نعيش اليوم في أشد وأقبح الظلم وأفضعه في أبشع صور الاعراض، لأنها صور اعراض تقليبي (وقلبوا لك الأمور) فيها قلب للحقائق حتى يسمى الفسق فناً والخلاعة حرية، والردة والقبول بالآخر وهي أقبح الكفر وأقبح معرض من يهونها على أهل الإسلام ويدعوا إليها ويعرض عن مئات الآيات. . إنه مجرم داعية ثم في زمننا إن جئت بدليل في هذه المسائل أصبحت متهماً بالرجعية، وأدخلوك في زمرة المخونين والمكفرين قال تعالى "فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون".
حضرت في ندوة الحج الكبرى فحصل نقاش في قوله تعالى "واضربوهن في المضاجع".
ولقد وجد كثير من الحضور من غير العلماء حرجاً مما قضى الله ولم يسلموا تسليماً وهموا بما لم ينالوا، وقلبوا لك الأمور.
حتى كان في شأني من ذلك شأن يوسف قال تعالى: "وهم بها لولا أن رأى برهان ربه" هممت بأن أركن شيئاً قليلاً لولا أن رأيت البرهان وبسرعة لقد رأيت برهان قوله تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً".
إنه التسليم إنها القناعة إنه انتفاء كل ريب وشك إنه زهوق الحرج والإحراج من اللوم من التهم من عبارات الذين يسلقون الآخر بالسنة حداد، إن الإعراض مضاد للتسليم لذلك كان الضنك هو رفيق درب هذا المعرض الماشي المتنكب عن صراط الله. قال تعالى: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا".
وهؤلاء وصفهم الله بأنهم مجرمون وأوعدهم بحلول نقمته مؤكداً ذلك بمؤكدات. . .
ولا يوجد معرض جزءاً أو كلاً إلا وفيه نوع أو كل إجرام إلا وهو داخل تحت هذه النقمة.
إن أناساً اليوم ينادون بعدم تكفير اليهود والنصارى والمشركين. . . هؤلاء بلغوا من الوقاحة الإعراضية أشدها. فهم من رؤوس المجرمين ونقمتهم أوليه.
قال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" وقال: "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها وأولئك هم شر البرية" وقال: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه" وقال: "إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً".
الحقيقة الراسخة التي تؤسسها وترسخها آيات القرآن أنهم كفار، أنهم أعداء.
الحقيقة الحقة أن من أعرض عن هذه الآيات مجرم يعرض نفسه لنقمة الله وسطوته.
ثم تأمل معي فيمن صد عن سبيل هذه الآيات فعارضها بالمقالات والأوامر، والتخوين، والتحذيرات والقوة الأرضية المتهالكة. . . قال تعالى: "والله أشد بطشاً وأشد تنكيلاً.
ومن جهة أخرى. . .
ها أنتم أولاء ترون نساءً تحررن عن آيات سورة النور والأحزاب وغيرها الآمرة بعدم كشف الصدور والرؤوس والأرجل. هذا التحرر المسمى هو عين الإعراض عن آيات الله.
وإذا أفتى مفت بموجب الآيات القواطع دحرج جماعات المعرضين فتات الكلام قال تعالى: "وسلقوكم بألسنة حداد أشحةً على الخير"
ومن هؤلاء من يواجهون حركات المقاومة الفلسطينية باللوم، ويلقون إلى الكافرين السلم مع أن السلم مشروط، قال تعالى: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" إن سلام العزة أما إن كان بمذلة ودعوة واستجداء فهو هوان ورذيلة.
وهذا ما عبر عنه القرآن قال تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" نعم إن الدعوة الاستجدائية هوان ثم نعم نحن الأعلون لأن العزة لله ورسوله وللمؤمنين، نحن الأعلون لا كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، إنا نحمل منهج العلو لا منهج التعالي.
يعلوا بالأخلاق والفرد والروح والمجتمع والدول يعلو حامله عن كل هوان وخسف. .
أيها القراء الأعزاء إن هذه الآية من سورة السجدة ختمت بتحذير بالغ قال تعالى: إنا من المجرمين منتقمون" فحكم الله فيها بتجريم المعرض عن الأدلة وحكم في أولها أنه أشد الناس ظلماً قال تعالى: ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها" ثم أكد أنه منتقم على الدوام بما يفيده اسم الفعل الدال على الحال والاستقبال "منتقمون إنهم الآن تحت المجهر. . تحت الرقابة. . في مهلة عسى ولعل أن يتوبوا"
* أستاذ مقاصد الشريعة وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان