الشيخ/ سراج الدين اليماني
وإن هذا الاختيار للنهوض بهذا الأمر الإلهي، هو مجرد فضل الله ومنته.. فمن شاء ان يرفض هذا الفضل، وأن يرحم نفسه هذه المنة.. فهو وذلك! والله غني عنه وعن العالمين!
والله يختار من عباده من يعلم انه اهل لذلك الفضل العظيم والصورة التي يرسمها التعبير القرآني للعصبة المؤمنة هنا، صورة واضحة السمات، قوية الملامح، حبيبة للقلوب.
"فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" فالحب والرضى المتبادل المشرق، الرائق البشوش، هو الذي يربط القوم بربهم الودود!
وحب الله لعبد من عباده، أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلا من يعرف الله سبحانه بصفاته، كما وصف نفسه، وإلا من وجد إيقاع هذه الصفات في حسه ونفسه وشعوره وكينونته كلها!
أجل لا يقدر حقيقة هذا العطاء إلا الذي يعرف حقيقة المعطي.
الذي يعرف من هو الله في عظمته، ومن هو الله في قدرته ومن هو الله في تفرده ومن هو الله في ملكوته ومن هو الله، ومن هوالعبد الذي يتفضل الله عليه بالحب..
والعبد من خلقه.. وهو الجليل العظيم الأول والآخر والظاهر والباطن وحب العبد لربه نعمة لهذا العبد، لا يدركها كذلك إلا من ذاقها ولك أن تتصور وطناً تربط بين مواطنيه روابط الحب بهذه الصورة!
لك ان تتصور انعام الله على العبد بهدايته لحبه - جل شأنه - ودعوته إلى حب اخوانه الذين يعيشون معه داخل الوطن الخاص الذي يعيشون فيه والوطن الإسلامي العام!
لك ان تتصور هذا الإنعام الهائل العظيم، وهذا الفضل الغامر الجزيل..
يشيع في هذا الوطن، ويسري في هذا الكون العريض، وينطبع في كل حي وفي كل شيء، فإذا هو جو وظل يغمران هذا الكون، ويغمران الوجود الانساني، ممثلاً في ذلك العبد المحب المحبوب.
لك ان تتصور هذا الرباط العجيب الحبيب الذي هو أصل وحقيقة وعنصر في التصور الاسلامي أصيل: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا" "مريم/46" و"إن ربي رحيم ودود" "هود/90" و" وهو الغفور الودود" "البروج/14".
إنه التصور الكامل الشامل لكل حاجات الكينونة البشرية في علاقتها برب العالمين!
وهنا في هذه العصبة المختارة لهذا الدين يرد ذلك القول العجيب:
"يحبهم ويحبونه" ويطلق شحنته كلها في هذا الجو، الذي يحتاج إليه الجنان المؤمن وهو يضطلع بهذا العبء ويرفع شعار الوطن الاسلامي وشعار وطنه الذي يعيش فيه ويحفظ كرامة المؤمن.. شاعراً انه الاختيار والتفضيل والقربى من المنعم الجليل ثم يمضي السياق يعرف بقية السمات!
"اذلة على المؤمنين" وفي هذا التعبير كما قال الزمخشري وجهان: احدهما ان يضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع!
والثاني: أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم.. خافضون لهم اجنحتهم! وهي صفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللين. فالمؤمن ذلول للمؤمن..
غير عصي عليه ولا صعب.. هين لين.. ميسر مستجيب.. سموح ودود: وهذه هي الذلة للمؤمنين! وما في الذلة للمؤمنين من مذلة، ولا مهانة انما هي الاخوة الإسلامية.. ترفع الحواجز وتزيل التكلف وتخلط النفس بالنفس فلا يبقى فيها ما يستعصي وما يحتجز دون الآخرين ولك ان تتصور وطناً تكون العلاقة بين مواطنيه فيه هكذا.. لك ان تتصور ذلك، لتدرك اساساً من أسس المواطنة في الاسلام وان حساسية الفرد بذاته متحوصلة متحيزة وهي التي تجعله شموساً عصياً.. أما حين يخلط نفسه بنفوس مواطنيه معه، الذين يعيشون داخل الوطن الذي يضمهم في رحابه والذين يعيشون داخل الذين يعيشون داخل الوطن الاسلامي العام.. فإنه لن يجد فيها ما يمنعه وما يستعصي عليه!
وماذا يبقى له في نفسه دونهم وقد اجتمعوا في الله إخواناً يحبهم ويحبونه، ويشيع هذا الحب ويتقاسمونه وهؤلاء في الوقت ذاته "اعزة على الكافرين" فيهم على الكافرين شماس وإباء واستعلاء ولهذه الخصيصة هنا موضع انها ليست العزة للذات.. ولا الاستعلاء للنفس إنما هي العزة للعقيدة..
والاستعلاء للراية التي هي شعار الوطن ويقف تحتها المواطنون في مواجهة مع عدوهم الحقيقي الذي أراد سلب الهوية والحرية منهم وطمس المواطنة الحقة إنها الثقة بأن ما معهم من العقيدة هو الخير كل الخير، وان دورهم هو أن يدعوا الآخرين للخير الذي معهم، لا لأنفسهم، ولا أن يطوعوا انفسهم للآخرين وما عند الآخرين كما أبصرنا ذلك في الفكر الرافضي الاثنى عشري الايراني الجهول ثم الثقة بغلبة الدين على ما عداه، وبغلبة قوة الحق على تلك القوى، فهم الأعلون حتى وهم يتعرضون للعدوان في أثناء الطريق الطويل والسقاف وما فيه من المشاق..