نبيل مصطفى مهدي
من هنا لم يصادفهم يوماً.. أطفال في عمر الزهور ذوو أجساد هزيلة تعبر عن قسوة الحياة عليهم رغم براءتهم.. بعضهم يطلبون المساعدة والعون.. وآخرون يعرضون عليكم شراء علبة مناديل وآخرون صحيفة أو مجلة أو غير ذلك من البضائع أو السلع المحملة على أكتافهم الصغيرة وغيرهم يشاهدون في أماكن متفرقة يعلمون ويعاملون بقسوة.
هذه بعض من صور الطفل الشريد. وهناك صوراً أخرى تهز الأعماق وتثير الرحمة والشفقة وكل ما تنطوي عليه المعاني الإنسانية فلكل واحدَ منهم قصة مأساوية يعيشها ولو قمنا بسردها لوجدنا أنفسنا أمام مجلد من الكوارث والدراما الإنسانية التي تتنقل بين القرى والمدن والشوارع. ينامون في أماكن مهجورة وعلى الأرصفة مقهورين.. لا يعرفون عن السعادة إلا اسمها! فرغم سنوات أعمارهم القليلة إلا إن هؤلاء الصغار الأبرياء قد عرفوا مشاعر الخوف والفزع والتوتر العصبي والنفسي والاجتهاد الجسدي التي يعجز حتى الكبار ممن بلغوا سن الرشد عن تحملها. فعيونهم زائغة مليئة بالرعب مما شهدوه ويشاهدوه خلال فترة حياتهم البريئة والشقية للبحث عن أبسط مقومات العيش من مأكل وملبس وملجأ آمن. هكذا يتحدثون عندما نسألهم ينتابهم الشعور بمستقبل مظلم ومجهول وإحساس بالضياع والحيرة والارتباك وهم ينتقلون هنا وهناك للعمل أو للبحث عنه لمساعدة أسرهم الفقيرة ومساعدة أنفسهم ومنهم من يبحث عن أبسط مقومات العيش بالذات من شردوا من أهاليهم لظرف ما أو معاملة قاسية ومهينة عوملوا بها.
فبعض من هؤلاء الصغار من وقع في شباك بعض من الوحوش البشرية المستغلة والتي لا تعرف الرأفة أو الرحمة فبدلاً من مديد العون والرعاية لهم والتي هم بأمس الحاجة إليها بحكم طبيعتهم التي تتسم بالضعف وقلة الخبرة والعجز عن الاعتماد على النفس مُدت لهم أيادي آثمة متخصصة في الاحتيال عليهم واغتيال براءتهم ودفعهم إلى السير في طريق الخطيئة لإشباع رغباتهم الدنيئة وتحقيق أطماعهم الغير مشروعة على حساب صغار السن من هؤلاء الأبرياء.
أخيراً من المؤكد أن مثل هؤلاء قد صادفناهم يوماً ومرت إحدى صورهم علينا ولكن مشاغلنا والتزاماتنا لا ترحم ولا وقت لدينا للتعرف على مأساة كل طفل نقابله.. ولو صدفة! لكن إلى متى نهرب منهم وهم يعيشون بيننا.. وإلى متى تتغاضى الجهات المسؤولة عن هؤلاء الضحايا وتصدر الإدعاء بالعجز عن معالجة أوضاعهم فالمسؤولية كبيرة عن هؤلاء فهم منا وبيننا وربما يتربصون بنا أو يحقدون على المجتمع أو تقودهم الظروف لعالم الجريمة في الغد. يقيناً أن هناك من سبقهم إلى عالم الخطيئة وهم الآن يزدادون حقداً وغضباً مالم يتم السعي للمعالجة الجدية والسريعة لإنقاذ ما تبقى من هؤلاء الأبرياء.. والله من وراء القصد..