الشيخ/ سراج الدين اليماني
ماذا يعني لنا الوطن ومن هو المواطن؟
تطلق كلمة الوطن في اللغة العربية على مكان إقامة الإنسان ومقره، وما ينتمي إليه، ولد به أو لم يولد، انظر معجم المقاييس ولسان العرب والصحاح والمعجم الوسيط مادة وطن.
وهذا المفهوم للوطن والمواطن هو المراد في الدين القيم وتؤيده الآيات القرآنية والحديث النبوي.
وواضح من هذا التعريف أنه يشمل المواطن والمقيم بالمعنى السياسي المعاصر، ومن ثم فهما معاً يشتركان في المسؤولية عن سلامة وأمن الوطن.. وعلى هذا المعنى نجد أنفسنا أمام أمرين من الأهمية بمكان، الأمر الأول: إيجابي. والثاني. سلبي. وقد تناول الكثيرون كلاً من الأمرين، واختلفت وجهات نظرهم في نقدهم الموجه إلى كل منهما اختلافاً واضحاً، بين إفراط وتفريط حينا، ووقوف عند أمر دون الآخر حيناً آخر، ومن ثم رأينا تبايناً عند هؤلاء وأولئك في تقرير العلاقة بين الدين والوطن في الكثير الغالب، واعتدالاً في تقريب وجهات النظر أحياناً..
الأمر الإيجابي: وسألتزم الأمر الإيجابي الذي يؤيده الدليل من الكتاب والسنة، مراعاة للظروف التي يعيشها الوطن والمواطن مع التحذير اليسير من الأمر السلبي، وربط هذا وذاك بما يجب نحو الوطن.. حيث أن الإسلام دين الحياة الطيبة المباركة.. والعزة التي هي ضوء الإيمان!
وطنية الحنين: وإن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب الأرض، والفتها، والحنين إليها، وألا نعطف نحوها، فذلك أمر مركوز في فطرة النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى، وإن بلالاً الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إل مكة في أبيات تسيل رقة، وتقطر حلاوة، وذلك فيما رواة البخاري وغيره من حديث عائشة - رضي الله عنها:-
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بواد وحولي إذ خر وجليل؟
وهل أردن يوماً مياه مجنةٍ؟
وهل يبدون لي شامة وطفيل؟
قالت عائشة- رضي الله عنها- فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: "اللهم أحبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها، وبارك في صاعها ومدها.."
وطنية الحرية والعزة:
وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير الوطن من الغاصبين وتوفير استغلاله، وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه فذلك أمر مأمور به وقد شدد الإسلام في ذلك ابلغ التشديد، فقال تبارك وتعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) المنافقون/ 8 ويقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) النساء/141.
والعزة كلمة فيها معنى القوة والشدة والغلبة، والعزيز هو الغالب لسواه، ولذلك عرف القدماء العزة بأنها: صفة مانعه للإنسان من أن يغلبه غيره، وكلمة العزة، مأخوذة من قول العرب: أرض عزاز، أي صلبة، ويقال: عز فلان، إذا برئ وسلم من الذل والهوان، والمادة كلها توحي بمعاني القوة والشدة والارتفاع والامتناع!.
وقد أشار كتاب الله إلى أن العزة خلق من أخلاق المؤمنين التي يجب أن يتصفوا بها، ويحرصوا عليها.. وقد قال الزمخشري في قوله تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين). أي الغلبة والقوة، ولمن أعزه الله وايده من رسوله ومن المؤمنين وهم الأخصاء بذلك، كما أن المذلة والهوان للشيطان والأعوان له من الكافرين والمنافقين ومهما تظاهروا بالعزة والقوة فإنما هي وقتية وستزول عنهم بعد أن يراجع المسلمون أنفسهم ويلتفتوا إلى شرع ربهم فإنهم هم الغالبون لا محالة.
وأي تكريم بعد أن وقف الحق سبحانه وتعالى والمؤمنين معه إلى جواره. ويقول: " ها نحن أولاء! هذا لواء الأعزاء! وهذا هو الصف العزيز! ونبصر أن العزة ضوء الإيمان في قلب المؤمن.. العزة المستمدة من عزته تعالى العزة التي لا تهون ولا تهن ولا تنحني ولا تلين، ولا تزيل القلب المؤمن في أحرج اللحظات إلا أن تضعف فيه الإيمان، فإذا أستقر الإيمان ورسخ فالعزة معه راسخة مستقرة، ومن ثم يكون الوطن عزيزاً ونبصر فيه وطنية الحرية والعزة.
ومن هنا فإن على من يريد وطنية الحرية والعزة والكرامة أن يطلبها من مانحها الذي ليس لها مصدر سواه، يطلبها من الله جل شأنه، فإنه لن يجدها عند غيره، ولن يجدها في أي كنف آخر، وهذه الحقيقة حين تستغرق القلوب أن تبدل معايير الوطنية كلها، وتبدل وسائلها وخططها كذلك، وصدق الله العظيم ( من كان يريد العزة فإن العزة لله جميعاً) فاطر 1/10).
وتلك حقيقة أساسية من حقائق العقيدة الإسلامية، وهي كفيلة بتعديل القيم والموازين، وتعديل الحكم والتقدير، وتعدي النهج والسلوك، وتعديل الوسائل والأساليب!.
وكيفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب لتقف به أمام الدنيا بأسرها عزيزاً كريماً ثابتاً في وقفته غير مزعزع ولا رعديد، عارفاً طريقه إلى العزة.. الوحيد الذي ليس هناك سواه!.
إنه حينئذ لن ينحني برأسه لمتجبر ولا لطاغية، ولا لعاصفة عاتية، ولا لحدث جلل، كما حدث من العدوان الإسرائيلي على غزة، كما رأينا شباب حماس الذين قاموا بهذا الاجتياح البربري المدعوم من أميركا والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية العميلة، وكما رأيناهم وهم يحملون أعناقهم وقد عايشناهم عبر الفضائيات.