سراج الدين اليماني
وطنية المجتمع الذي نعيش فيه:
وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد الوطن الواحد، وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم، فذلك أمر يراه الإسلام فريضة لازمة لقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) الحجرات/10.
وما أروع وأجمل وأعذب ما قيل من أن إخوة الدين أثبت وأنجع من إخوة النسب لأن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب.. والمؤمنون إخوة من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد، هو الإيمان الموجب للحياة الأبدية، وهو تعليل وتقرير للأمر بالإصلاح، ولذا كرره مؤكداً عليه بالفاء فقال: (فأصلحوا بين أخويكم) ووضع الظاهر موضع الضمير مضافاً إلى المأمورين للمبالغة في التقرير والتحضيض، وخص الاثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهم الشقاق؟
فهل يعقل إخواننا الفلسطينيون ذلك ويتركون ما غرسه العدو بينهم وزرعه من الفتن ليشق الصف الفلسطيني وليرأبوا الصدع بينهم حتى نسمع أخباراً سارة عنهم.
قال الشهاب: وتسمية المشاركة في الإيمان أخوة تشبيه بليغ، أو استعارة، شبه المشاركة فيه بالمشاركة في أصل التوالد، لأن كلاً منهما أصل للبقاء، إذ التوالد منشأ الحياة، والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان. ومما يترتب على هذه الأخوة بين أفراد الوطن أن يكون الحب والسلام والتعاون والوحدة هي الأصل في الجماعة المسلمة.
وأن يكون الخلاف هو الاستثناء الذي يجب أن يرد إلى الأصل فور وقوعه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً) فهل يعقل منظرو المشترك هذه القاعدة الكبيرة العظيم بأن الذي يعملونه من تأجيج للخلاف على أتفه الأسباب أنه قادح في وطنيتهم ووطنية أتباعهم فبعد ذلك سيخرج عن الوطن الكثير من أبنائه وهم يحسبون أنهم على شيء وما هم على شيء (وإنما أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف فجعلته هباءاً منثوراً).
وفي هذه الآية نرى أخوة بين المواطن والمقيم بالمعنى السياسي المعاصر.. يهبها الله لمن يشاء ممن أحبهم من عباده دائماً.
وها هنا يذكر الناس بما كان عليه الناس في الجاهلية من عداوة فألف بين قلوبهم.. وكان الإسلام وحده يجمع هذه القلوب.. وما كان إلا حبل الله يعتصم به الجميع وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة الدين، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية والأطماع الشخصية، والرايات العنصرية ويجتمع المواطنون تحت لواء الحق! ويذكرهم بأن هذه الرابطة نعمة من المنعم تتجلى في إنقاذهم من النار التي كانوا على وشك الوقوع فيها! ولك أن تتصور وطنية تنبعث من القلوب المتآلفة، لتدرك أي نعمة تلك التي أنعم الله بها على عباده، ولتضع يدك على مكانة الوحدة الوطنية في الإسلام، ومدى حاجتنا إليها! لك أن تتصور مجتمعاً متماسكاً متآلفاً بهذه الصورة، لتدرك مكانة الوطنية في الدين القيم، وأنها وطنية مقدمة بحبل الله ولا يهولنك تقلب الذين أضلوا في البلاد لكي يزرعون فيها الفرقة والدعوة إلى العنصرية وإلى العصبيات والنعرات الجاهلية التي تكاد تعصف بأمن ووحدة المجتمعات فإن هؤلاء ليسوا من الوطنية في شيء، لاسيما وإن كان البعض منهم يعمل لحساب دولٍ تريد أن تجفف منابع ذلك الوطن من الخيرات والأمن والمسرات وتجعله تابعاً ذليلاً وتخشى من أن يكون حراً متفرداً بقراراته وقائماً على خيراته ويستفيد من ثرواته ومن خيراته فإنهم وما يقولون حصب جهنم لها واردون وهذه التحذيرات تشي بشدة ما كان يعانيه المسلمون الأوائل في الوطن الإسلامي الأول من كيد أعدائهم اليهود، ومن محاولة صد الأمة عن الأخوة الإسلامية، وهو دأب مستمر، نعيش أحداثه الآن، في صورة خلافات وطنية، ومذاهب فكرية، وشعارات خبيثة، تفرق بين أبناء الأمة الإسلامية، وتقضي على العلاقة الوطنية في رحاب الإيمان.. وفي هذا تبصرة لكل مسلم غيور ودعوة إلى معرفة حق الوطن علينا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها أمتنا الإسلامية وأحداثها المؤلمة الدامية والرامية إلى تفكيك الصف العربي والإسلامي الواحد. ولك أن تتصور وطناً لا يظلم فيه مسلم أخاه ولا يسلمه، أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم. فالذي سمع تصريحات عباس وفياض ومن جرى مجراهم وهم يحذرون من صواريخ حماس ويصفونها بالفوضوية وبهذا شجعوا اليهود على الاحتلال لغزة والضفة الغربية ورام الله وكذلك تصريحات أبو الغيط وهو يحث الجنود المصريين على توجيه البندقية إلى صدور أصحاب حماس يصاب بالذهول أمام هذه التصريحات ويعلم علم اليقين أنها خلاف ما أراده الله من إبقاء الأخوة بين المسلمين والله غالب على أمره.
