عبد الوارث النجري
في مختلف بلدان العالم تبدأ الحكومات بالتركيز على مشاريع البنية التحتية للبلاد والمتمثلة في التعليم والقضاء على الجهل، والصحة من خلال مكافحة الأمراض المعدية والمزمنة عبر إقامة العديد من المشاريع الصحية المتكاملة في مختلف المدن و عواصم المحافظات والمديريات وعلى مستوى العزل بحسب الكثافة السكانية ووفق دراسات ميدانية متكاملة ومستقبلية، بحيث تكون تلك المشاريع نموذجية من حيث التنفيذ وتوفير الأجهزة والمعدات العاملة فيها والكادر الوظيفي إلى جانب تميزها في الأداء ليستفاد من خدماتها أكبر فترة زمنية ممكنة بحسب الدراسات المسبقة لما يسمى بعمرها الافتراضي، وكذلك هو الحال بالنسبة للمشاريع الأخرى مثل المدارس والطرقات وتوفير المياه النقية ومد شبكة المياه والكهرباء والمجاري عبر خطط مستقبلية دقيقة تراعي الكثير من الجوانب مثل الكثافة السكانية ومواصفات المواد المستخدمة في تلك المشاريع والأجهزة العاملة بها من حيث الجودة والتميز والدقة ومن خلال ما سبق استطاعت مختلف بلدان العالم تنفيذ مشاريع البنية التحتية في فترة زمنية محدودة حسب إيرادات كل دولة وسياستها الاقتصادية، ليتم الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة تالية تتمثل بالاهتمام ببناء قدرات الإنسان وإمكانية ومواكبة كل ما هو جديد في مختلف مجالات الحياة الصناعية والزراعية والاستثمارية كاستخراج المعادن وتصنيفها والاستفادة منها والاكتفاء الذاتي من خلال تفعيل النشاط الزراعي واستصلاح الأراضي الزراعية وإدخال الوسائل الحديثة في قطاع الزراعة والصيد والصناعة، لكن في بلادنا جميع الحكومات المتعاقبة منذ قيام الثورة وحتى اليوم لا ترسم خططاً إستراتيجية مستقبلية وإن تم وضعها فهي مجرد حبر على الأوراق فقط وشعار الجميع (ما بدى.. بدينا عليه) هذا من جانب ومن جانب آخر عدم احترام القوانين ذات العلاقة ولوائحها بسبب غياب الدور الرقابي للجهات المسؤولة على تنفيذ كل القوانين، وأصبح عمل وتقارير الجهات الرقابية مجرد شكليات الغرض منها في الأخير صرف المرتبات الشهرية والمكافآت للعاملين في تلك الجهات وخير شاهد على ذلك تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة المدفونة تحت كميات كبيرة من الغبار والأتربة في المخازن والأدراج منذ عشرات السنين وما وصل منها إلى نيابة الأموال العامة، فسرعان ما يجمده إلى ما لا نهاية، وبسبب ذلك نجد أننا منذ أربعين عاماً على قيام الثورة وحتى اليوم لا نزال غارقين في هموم ومشاكل مشاريع البنية التحتية، وخير شاهد على ذلك شوارع العاصمة صنعاء، فعواصم بقية دول العالم في المزيد من التطور والنظافة والتوسع وفق خطط مستقبلية تسبق ذلك التوسع العمراني مشاريع البنية التحتية الخدمية ذات المواصفات والدقة العالية والمواكبة لكافة المتغيرات المستقبلية بأعلى عمر افتراضي ممكن، ولو قارنت بين حال تلك العواصم والعاصمة صنعاء، لوجدت العاصمة اليمنية ثانية كما قالت المغنية شمعة اليهودية (صنعاء اليمن ثانية) وإن كان المقصود من الأغنية أن العاصمة صنعاء تختلف عن بقية مدن العالم من حيث الفن المعماري والأسواق الشعبية والمناخ وغير ذلك، إلا أنها تختلف أيضاً من حيث استمرار الحفريات في الشوارع الرئيسية منذ عشرات السنين وعدم توفر الخدمات في الأحياء المستحدثة مثل شبكة المياه وسفلتة ورصف الشوارع وغيرها، وبسبب الخطط الآنية في تنفيذ المشاريع الخدمية داخل أمانة العاصمة صارت شوارع صنعاء الرئيسية مثل شارع تعز وشارع هايل (الرياض) والحصبة ومأرب وغيرها مرصعة بطبقات الإسفلت.. وأول طبقة عمرها أكثر من ثلاثين عاماً وآخر طبقة لا يتجاوز عمرها العام الواحد ولا تزال مهددة بالحفر في المستقبل أما لانسداد مجاري أو لتوسيع شبكة المياه أو لوضع كابلات الاتصالات والكهرباء وغيرها، الغريب والمؤسف في نفس الوقت أن ميزانية واعتمادات المشاريع الخدمية التي نفذت في العاصمة صنعاء منذ أكثر من عشرين عاماً، كانت كافية لعمل مشاريع مستقبلية تواكب العديد من المتغيرات كالكثافة السكانية والازدحام والتوسع العمراني وغيره، لكن اللامبالاة وغياب روح المسؤولية كانت هي سبب ما تعانيه شوارع صنعاء واليمن خلال الفترة الزمنية السابقة من عمر الثورة، ما يتم ملاحظته اليوم أنه رغم ما وصل إليه العالم من تطور وعلم ومعرفة لا نزال نحن أيضاً نعاني من اللامبالاة وغياب روح المسؤولية فالمشروع الذي يتم تنفيذ هذه الأيام في أي مجال تحدد فترة زمنية في العقد وكذا التكلفة الإجمالية لتنفيذه ، وعبر مناقصات لكن وللأسف تنتهي الفترة الزمنية المحددة والمشروع لا يزال في نصف الطريق، وبعدها هات من تعويضات وفوارق أسعار ومبررات أخرى ينتهي بتنفيذ مشروع وقد صرف على حسابه ضعف ما تم اعتماده مسبقاً.