;

صبايا آذار: فضاء بوح ومتنفس للخريجات الفلسطينيات 1011

2008-03-11 11:42:56

ميرفت أبو جامع - غزة

لكل واحدة منهن قصة حزن صامتة، مغلقة في ذاتها، تنسج أناملهن بعض المطرزات حينًا وينسقن أشكالاً وردية، ينثرن فيها روائح الفرح المسافر في هدير طائرة،

يبحن بالحكايات المختلفة الممزوجة بالقلق والأمل حينًا آخر، ويحلقن كالفراشات على خشبة مسرح يجمع كل المتناقضات لجمهور يعشق الموت الملغم بالحياة.

"حاكورتنا بكرة أحلى" شعارهن مغموس بالوجع ومطرز بانتظار فرص عمل لا تأتي، وأحلام يحاصرها الموت من كل اتجاه". ويرددن على الرغم من لهيب المحرقة كلمات محمود درويش: "نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً".

ما سبق، بعض مما يليق نثره من وصف ل " صبايا آذار" المخيم الشتوي للخريجات الجامعيات الفلسطينيات الذي ينفذه مركز ثقافة الطفل الفلسطيني التابع لمؤسسة الثقافة والفكر الحر بخان يونس جنوب قطاع غزة، تحت شعار "حكورتنا بكرة أحلى"، ليرسم البسمة رغم غيوم الشتاء الحار، ويعزف ألحان الحياة على إيقاع همومهن الخاصة، فينثر الضياء في غرف ذاتهن المظلمة في انتظار حبيب طال غيابه أو عزيز غادر دون عودة، وانكسارات حلم بوطن دون (حصار واحتلال).

مكرم البيوك (22 عامًا) بدت منسجمة في تطريز قطعة قماش بألوان العلم الفلسطيني ووصفت مشاركتها بالمخيم "بالتجربة الرائعة جدًا والهادفة"، وقالت: "إستطعت اكتساب صداقات جديدة وبناء علاقات اجتماعية طيبة، ومساحة للالتقاء بصديقات قلما أجتمعُ وإياهن في مكان، خاصة في هذه الظروف المتوترة.

وتضيف: "إستفدت الكثير من أنشطة المخيم وفعالياته في تطوير قدراتي والمشاركة الفاعلة وكسر حاجز الممل والفراغ المستمر الذي نعيشه نحن الخريجات حيث لا يلتفت احد لمعاناتنا.

"أنا أحب القيادة دومًا لذا المخيم عزز عندي هذه المهارة واستطعت ممارستها"، زادت البيوك.

أما سماح (25 عامًا) المنشغلة بصنع برواز من القماش والعيدان تقول: "أعاني من وضع سيئ في البيت وضغط اجتماعي كبير، هنا وجدت مساحة للفرح كي أحاول ان أتناسى آلامي لبعض الوقت، وأبعد عن الأجواء المنغصة، وتضيف:" نادرًا ما يوجد متنفسًا للفتيات هنا بغزة، فأماكن الترفيه محدودة وتكاد تكون معدومة ، فلا يوجد أندية او مراكز تليق بالخريجات كما هو منتشر بالعالم، معللة ذلك بسوء الأوضاع التي يعيشها قطاع غزة مقارنة بغيره من المناطق الفلسطينية والعادات والتقاليد التي تحد من خروج الفتيات إلا في إطار ضيق للعمل او للدراسة وفي أجواء مقيدة جدًا، وتقول: "أنا مثلاً لا استطيع الخروج من البيت إلا برفقة اختي الصغرى".

وتبين سماح أن الفتاة الفلسطينية تعاني، العنف المجتمعي وعنف الاحتلال وانعكاساتها على أوضاعها وتزيد :"المجتمع لا يزال متشككًا في قدراتنا ولا يمنحنا الثقة، على الرغم من أننا متفوقات دومًا 'بل يفرغ كل تعقيداته التي لا تجد مكانًا يستوعبها، في إحباطنا بشكل متعمد.

وتؤكد أن المخيم أبرز مهاراتها القيادية التي لا تجد متسعًا في البيت لظهورها بسبب المشاكل التي تلم بها، واكسبها مهارات جديدة كتعليم التطريز وتنسيق الورود وصنع شموع الزينة وغيرها، وأدخل السرور الموقت لروحها.

إن كان الشباب الفلسطيني " الذكوري" يقضي أوقات فراغه خارج المنزل او مع الأصدقاء، فإن الفتيات يقضين جله في البيت "في مشاهدة التلفاز" أو في الدراسة، حيث أماكن الترفيه ومساحات الفرح تضيق بسبب الحصار والحرب الإسرائيلية المفتوحة ليلاً نهارًا في غزة، وتبدو الأمور أصعبها عليهن عند انقطاع الكهرباء فتغيب مشاهدة التلفاز الوسيلة الوحيدة لقتل الفراغ البغيض، ويحل الملل مكانه والتفكير العقيم في حلول للواقع.

وتشير سماح أنها عاودت دراسة تخصص آخر في الجامعة، لعدم حصولها على فرصة عمل في التخصص الأقدم، وتبدو متشائمة حيال الوظيفة، قائلة: "إنه حتى " التخصص" الجديد وهو المتعلق ببرمجة الكمبيوتر لا آمل في الحصول على فرصة عمل فيه ، معلقة " اشغل وقت فراغي فقط ، والوظيفة لم تأت في ظروف أفضل من تلك ، هل ستأتي في هذه الظروف المعقدة!".

وتقول نرمين المصري (23 عاما)، وهي تعلق لوحة فنية شكلتها من القماش والورود :" منذ تخرجي من الجامعة أقضي جل وقتي في مشاهدة التلفاز في البيت، وهو الوسيلة الوحيدة للترفيه على الأقل في مكان تصفه بالآمن " موقتًا". وتضيف خريجة اللغة الانكليزية: "عام مر على تخرجي ولم أحظَ بفرصة عمل، حتى مجرد البحث عنها في هذه الأوضاع المتشابكة كالبحث عن إبرة في كومة قش، بالكاد نتلمسه في إجابات أرباب العمل " ليس لدينا ما نعمله، وهل أحد يعمل اليوم" فتعود بمنفى جديد في ذاتها وأسئلة مؤلمة ما الحل ؟ لقتل الفراغ الذي تزيد مساحته يومًا بعد يوم.

مشيرة الى أهمية المخيم الذي أضاف الجديد لحياتها الساكنة ودفعها إلى معاودة نشاطها والتفكير في الخروج من عزلتها ، وتعليمها كيفية الاستفادة من أشياء كثيرة لم تعطها اهتمامًا يمكن أن تضفي جمالاً على بيتها وتساهم في شغل جزء من الفراغ الذي يسكن موانئ ذاتها.

مساحة لتفريغ الطاقات

خليل فارس منسق المخيم تحدث عن أهدافه قائلاً: "بأنه يهدف إلى إيجاد حالة من التواصل والانسجام الفاعل بين الصبايا أنفسهم وتوفير مساحات واسعة لمشاركاتهن الايجابية الفاعلة وتبادل الخبرات عبر فعاليات المخيم المختلفة.

وحول شعار المخيم يقول: "آثرنا ان يتخذ اسم الحاكورة وهو المعروف في اللغة الفلسطينية بأنها مساحة من الأرض مزروعة بالخضرة وتلف المنزل ونريد ان نخرج من جو الكآبة والموت والإحباط الذي أجبرونا عليه الى جو حميمي أشبه بالطبيعة الجميلة التي لا يخلد اليها احد خاصة في ظروفنا، لذا جاءت التسمية.

وأشار فارس بأن المخيم الذي يأتي في اطار مشروع تفعيل الحراك الثقافي في محافظة خانيونس، يستهدف الخريجات الجامعيات لأنهن يعانين من وقت فراغ أطول ولا استفادة منه، بسبب ارتفاع نسبة البطالة بينهن وعدم توفر فرص عمل في الوضع المتأزم الذي يحياه قطاع غزة في محاولة للتخفيف من ضغوطهن النفسية وتأثير الأوضاع المتردية قاطبة عليهن.

وأوضح فارس أن المخيم الذي ينظم للعام الثالث على التوالي، يتضمن مساحات مختلفة للتفريغ الانفعالي عند الخريجات ومناقشة قضاياهن ومشاكلهن في جو حواري مفيد يساهم في تخفيف أجواء التوترات النفسية المنعكسة على أوضاعهن.

فعاليات متنوعة

ولفت ان المخيم الذي يستمر لمدة عشرة أيام يتضمن فعاليات فنية وحرفية كتدريب الخريجات على تنسيق الورود وصناعة المعلقات وشموع الزينة وصنع شكل نافورة تسجل بأسمائهن، ويواصل: "ويتضمن تجسيد الحياة التراثية الفلسطينية للمشاركات من خلال الزي والمأكولات الشعبية القديمة والعرس الفلسطيني والتطريز وصور من التراث تهدف إلى إحياء التراث الفلسطيني وربط الأجيال الجديدة به محاولة للحفاظ عليه من النسيان.

ويتابع فارس، "هناك أنشطة تطوعية كالتشجير وزيارات ميدانية وغيرها لتعزيز روح العمل التطوعي لديهن.

رحلات ألغتها المحرقة

من جهتها، قالت بثينة الفقعاوي مساعدة المنسق إن هناك إقبالاً كبيرًا للفتيات على فعاليات المخيم ، معللة ذلك برغبتهن في المشاركة وتفريغ طاقتهن الكامنة في نشاطات تهمهن وأعمال يدوية تفيدهن في حياتهن.

مشيرة ان بعض الفعاليات الخاصة برحلات الى متنزهات تم اختصارها بسبب سوء الأوضاع وتصعيد العدوان الإسرائيلي على غزة.

وقالت الفقعاوي: "على الرغم من قتامة الواقع وسوء الأوضاع، إلا اننا نثبت أننا لا زلنا نعمل ونحب الحياة مهما حاولوا رصف طرقنا بالموت.

وتأمل الفقعاوي ان يأتي المخيم القادم في ظروف اجمل وتتمكن المؤسسة احتضان عدد اكبر من الخريجات وبأنشطة وفعاليات مختلفة ، تضفي البسمة والسعادة عليهن في الواقع المأزوم في غزة.

بينما تتمنى الخريجات اللواتي اثنين على دور المؤسسة في الاهتمام بهن في هذه الظروف الحالكة - أن تزداد مساحات الاهتمام بهن من قبل المؤسسات الأهلية والحكومية في برامج وأنشطة تفيدهن ويستطعن من خلالها خدمة مجتمعهن وتحقيق ذاتهن.

تقول رشا حرب المشاركة أيضًا في الفعاليات:" لا نريد اهتمامًا موسميًا بنا ، نحن نعاني من وقت فراغ طويل ، ومن عدم الاهتمام بالشباب بشكل عام بسبب صراع قياداتنا مع ذاتها ومع إسرائيل ، والذي سيحرم أحلامنا وطموحاتنا من فرص العيش.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد