سراج الدين اليماني
الفرق بين الإسلام والتمييز العنصري للأقليات المهجرة عن أوطانهم
إن الأخوة الوطنية تقوم على أساس رباط العقيدة والحرية والعزة، فلا يخدعنك حديث البعض من غير المسلمين في الوطن، فهؤلاء لهم حقوق وعليهم واجبات، يطول الكلام عنها والمقام هنا لا يتسع لذكرها!.
وحسبنا أن نذكر أنهم أي الأقليات الغير مسلمة مطالبون بأداء الواجب نحو الوطن، وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا! وحسبنا أيضاً أن نذكر: أن تلك الوطنية بهذا المفهوم كانت فتحاً جديداً في تاريخ الإنسانية.. في الوقت الذي صنف العلماء والباحثون في العلوم الإنسانية الأجناس البشرية إلى جماعات تجمع بين كل منها خصائص ومميزات طبيعية متوازنة في مجموعها.. ورأى بعضهم أن تقسيم البشر إلى أجناس يرجع إلى الدم نفسه! وعلى أساس هذا التقسيم العنصري قرر الباحثون أن هناك امتيازاً لبعض الأجناس على بعضهم الآخر، وأنه يحق للأجناس العالية أن تكون لها قوانين، وأن تعامل معاملة خاصة، بخلاف الأجناس الأخرى..!. وهذا هو مفهوم التفرقة العنصرية في العرف الحديث ومن ثم كان أبناء الوطن الواحد يتقاتلون!
وفكرة التمييز بوجه عام بين بني الإنسان فكرة قديمة، نشأت نتيجة اختلاف الناس بعضهم عن بعض، في القوة الجسمية، والمواهب العقلية، والمظاهر المادية، والتي كان من آثارها استعلاء بعضهم على بعض، واستغلال القوي منهم للضعيف، وتحكم الواجد في الفاقد، وسيطرة المتعلم على الجاهل، وكان الرق من أكبر مظاهر هذه الآثار!. ونقرأ عن الهنود واليونانيين والرومان والعرب في الجاهلية وغيرهم ما يؤلم النفس! ونقرأ دعوى بني إسرائيل أنهم شعب الله المختار، وأن الإله الذي يعبدونه لا ينبغي أن يكون معبوداً لغيرهم من الناس الذين يطلقون عليهم أميين، وما كانا لنا أن نتخير أو نلتفت مادمنا نقول الحق.. وكيف يكون الحال لو حاولنا أن نؤيد القول بالعمل؟!
وقد قرر العلماء المنصفون أخيراً أن هذا التقسيم باطل، وأن الاهتمام بالبحث في الأجناس وخصائصها ومميزاتها لم يأخذ شكلاً واضحاً إلا في العصور المتأخرة، حيث غلبت على بعض الأمم نزعة الاستعمار الغاشم الظالم، والاستغلال للأمم الضعيفة المتخلفة، أرادت به الدعاية لجنس معين، أو لفكرة سياسية، يمكن عن طريقها التحكم في الأجناس الأخرى، وكثيراً ما لجأت هذه الأفكار زوراً وبهتاناً إلى الدين، تستمد منه تأييداً لها، كالصهيونية التي ادعت أن الصهاينة شعب الله المختار! ومن ثم قامت المظالم التي نشهد أحداثها في الأرض المحتلة!. وعلى الرغم من إصدار القرارات ضد التفرقة العنصرية في المؤتمرات الدولية المتعاقبة منذ مطلع القرن التاسع عشر، والتي كان آخرها اتفاق عصبة الأمم المتحدة الذي وقعته ثمانية وثلاثين دولة، وعلى الرغم من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنته الأمم المتحدة بعد ذلك في العاشر من ديسمبر سنة 1948م.. على الرغم من ذلك، فإن التفرقة العنصرية مازالت تمارس في أفريقيا وفي كثير من الدول الحديثة مثل أميركا وإسرائيل وبريطانيا وغيرها.
وليس من قبيل المصادفة أن تعلن دولة الصهاينة العنصرية في نفس العام الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة حقوق الإنسان. إن الدين القيم قوم اعوجاج الحياة، ورد كل فرد في المجتمع البشري إلى موضعه لا يقصر عنه ولا يتعداه، وبه أصبحت الهيئة البشرية طاقة زهر لا شوك فيها، حيث اقتلع جذور الجاهلية وجرائمها، وحسم مادتها، وسد كل نافدة من نوافذها، وجمع المواطنين على وطنية الحرية والعزة، ووطنية المجتمع، والأخوة المعتصمة بحبل الله، وحفظ لغير المسلمين في المجتمع ما لم تشهد له الدنيا مثيلاً!.
وهنا أذكر طرفاً من التطبيقات العملية لجعل التفضيل بين المواطنين على أساس السلوك في ميزان الحق، بعيداً عن اعتبار الحسب والنسب.. وذلك ما نراه في مساواة الناس في التوجه إليهم بالخطاب للقيام بالتكاليف الدينية، ووقوفهم صفاً واحداً في الصلاة، دون تمييز طبيعي أو عنصري بينهم مجردين عن كل مظاهر التفرقة العنصرية التي كان الناس على أساها يفرقون بين أبناء الوطن الواحد ، وقد كانت قريش في الجاهلية تتخذ لنفسها امتيازات على سائر العرب كما هو الحال اليوم مع بني إسرائيل الذين يتميزون عن جنس العرب، وكانت قريش لا تقف مع الناس في عرفات، ولا يفيضون من حيث أفاض الناس، فجاء الأمر إليهم ليردهم إلى المساواة التي أرادها الإسلام، وإلى الاندماج الذي يلغي كل الفوارق المصطنعة بين الناس.
بهذا الإيمان العميق بعث الرسول - عليه الصلاة والسلام- في الإنسانية المحتضرة حياة جديدة، عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد عناءها، ولا يعرف محلها، وقد أضاعتها الجاهلية بكل صورها، وفرقت بين أفراد الوطن الواحد فأوجد فيها بإذن الله تعالى الإيمان والعقيدة، وبث فيها الروح الجديدة، وأنا طريقها، وأشعل مواهبها، ثم وضع كل واحد في محله، فكأنما خلق له، وكأنما كان المكان شاغراً لم يزل في انتظاره، والتطلع إليه، وكأنما كان جماداً، فتحول نامياً، وإنساناً متصرفاً، وكأنما كان ميتاً لا يتحرك فعاد حياً يُملي على العالم إرادته، وكأنما كان أعمى لا يبصر الطريق، فأصبح قائداً يقود الأمم، عمد إلى الأمة العربية الضائعة، وإلى أناس من غيرها، فما لبث العالم أن رأى منهم نوابغ كانوا من عجائب الدهر، وموانح التاريخ! فأصبح عمر - رضي الله عنه- يفاجأ العالم بعبقريته وعصاميته، ويدحر كسرى وقيصر، ويؤسس دولة إسلامية تجمع بين ممتلكاتها وتفوقها في الإدارة وحسن النظام، فضلاً عن الورع والتقو، والعدل الذي لا يزال فيه المثل السائر،،،
للحديث بقية.