علي بدوان
استتبع انتهاء المرحلة الأولى من الحرب الإسرائيلية المجنونة على قطاع غزة مجموعة من التداعيات والهزات السياسية والعسكرية في ساحة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعودة النقاشات مجدداً إلى أروقة الدوائر الأمنية والسياسية الإسرائيلية، وهي النقاشات التي ما زالت تعتمل في إسرائيل منذ سنوات طويلة بعد كل جولة من الحروب التدميرية ضد الفلسطينيين.
فما أن تنتهي جولة عسكرية لتبدأ من جديد مشاريع الحرب والحسم دون أن تحصد نتائجها المتوخاة منها إسرائيلياً. ففي نتائجها السياسية بدا أن حركة حماس ومعها قوى المقاومة المسلحة، خرجت من الجولة الأخيرة وقد استعادت من قوة حضورها وتأثيرها في الشارع الشعبي، بعد أن اعتقدت حكومة أولمرت بضرورة الاستمرار في السياسة المتبعة حالياً والتي تدمج بين الحصار والاغتيالات والتوغلات والاجتياحات اليومية.
وزيادة الضغط والمشاكل على حركة حماس ربما يؤدي إلى اقتتال داخلي فلسطيني فلسطيني، وتوترات أمنية واقتصادية واجتماعية، كما في الاغتيالات التي تهدف إلى التأثير على عمل وأداء الأجنحة العسكرية عبر استهداف قادتها وكوادرها المؤثرين واستنزاف المقاومة.
وإبقائها تحت الضغط وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر بها، متبوعاً بعملية عسكرية واسعة، كان له أن يضعف من حضور حركة حماس وأن يعزلها في الشارع الغزاوي، فالوقائع على الأرض عززت من نفوذ وتأثير حماس عبر الصمود في غزة جنباً إلى جنب مع باقي القوى والفصائل الفلسطينية أولاً، وعودة حركة حماس إلى واجهة العمل الشعبي في الضفة الغربية عبر المظاهرات الواسعة ثانياً.
وهي المظاهرات التي نقلت تأثير حماس نحو الضفة الغربية، حيث حظيت هنالك بالعطف عليها الذي عبر عنه بإضراب عام، وفي الفعاليات التي توحد فيها أعضاء حركتي فتح وحماس لأول منذ شهور طويلة، وهو ما حدا ببعض الكتاب الإسرائيليين للتحذير من الاستعداد المتنامي في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لإعلان وتفجير الانتفاضة الفلسطينية الثالثة. . التي يتوقع لها الخبراء العسكريين الإسرائيليين أن تكون انتفاضة صواريخ وراجمات، إضافة إلى طابعها الشعبي. ففي العرف الأمني الإسرائيلي كانت الانتفاضة الأولى، انتفاضة حجارة وسكاكين وقنابل المولوتوف. . فيما تعززت الانتفاضة الثانية بأشكال إضافية متميزة جاء على رأسها العمليات التي يسميها الفلسطينيون بالاستشهادية التي أسماها الإسرائيليون ب (القنبلة الذكية المطلقة) التي لا تعطي أي تكنولوجيا عسكرية رداً عليها، أما الانتفاضة الثالثة فستجمع الأنماط جميعها إضافة للصواريخ من أنواع قسام وصمود والأقصى والقدس وصواريخ غراد، إضافة للهاونات.
ففي جانبها العسكري، ما أن أعلنت إسرائيل عن انتهاء المرحلة الأولى من الجنون الدموي، حتى انطلقت أيضاً المواقف من داخل البيت الإسرائيلي وهي تتحدث عن تأكل وضعف وتهاوي قوة الردع الإسرائيلية بالرغم من ترسانة السلاح المتطور بيد الجيش الإسرائيلي في مواجهة شعب شبه أعزل.
فقد علق الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي أمير تسوريا، قائلاً: (من السهل جدا الكذب على النفس، بل هو أكثر لطفاً من الحقيقة. ولكن لماذا لا نتمتع بالشجاعة ونسأل أنفسنا مباشرة عن حصاد ما جرى في العملية العسكرية بينما ما زالت تتساقط صواريخ القسام وغراد على سديروت وعسقلان ).
وأضاف تسوريا «الآن حان وقت الشجاعة، وأن ننظر للواقع بعيون لا يمكن الضحك عليها، والقول إن عملية الجيش في شمال غزة قد فشلت. سجلوا هذه الكلمة أمامكم (ف ش ل ت) ولم تحقق أي هدف حقيقي مثل وقف الصواريخ واغتيال قادة كبار وكشف شبكات أو تفجير مخازن للصواريخ والذخيرة». ومما عزز من قوة المواقف المشار إليها في إسرائيل وقوع رد الفعل الفلسطيني. . وهذه المرة من جهة جديدة يسمع بها وأسمها (كتائب أحرار الجليل) عبر العملية العسكرية في مدرسة (مركاز هراف) في القدس الغربية مساء يوم 6/ 3/ 2008، وهي المدرسة التي أنجبت عتاة اليمين العقائدي الصهيوني منذ 1924 بما فيهم العشرات من القادة الصهاينة الذين نشأوا داخل المدرسة، بينهم حاخامو مستعمرة كريات أربع القائمة وسط مدينة الخليل.
فضلاً عن أعداد كبيرة من الشخصيات الصهيونية التي تعاقب حضورها في عضوية الكنيست الإسرائيلي منذ قيام الدولة الصهيونية على أنقاض الكيان الوطني للشعب الفلسطيني. فكانت العملية التي استهدفت حاضنة التفريخ لقادة الاستيطان والتطرف في إسرائيل، دلالة رمزية بالغة الوضوح.
فهذه هي المدرسة الأولى التي ربطت بين متطرفي اليهودية والأيديولوجيا الصهيونية التي أشادت وبنت رواية تلمودية تغذت منها الحركة الصهيونية في تحشيد الجمهور اليهودي وراء شعاراتها المعلنة منذ قيامها أواخر القرن التاسع عشر.