د. محمد سلمان العبودي
نحن شغلنا الشاغل متابعة انتخابات الآخرين، والأسوأ من ذلك، الاستمتاع والتلذذ بمشاهدة سقوط هذا المرشح (لأنه يمثل عدوا لدودا واضحا لنا) وإظهار الحسرة لعدم فوز الآخر (لأنه ليس عدوا لدودا جدا أو غير معلن لنا). مع أننا تعلمنا منذ زمن طويل وأخذنا الدروس والعبر بأن انتخاب هذا المرشح بدلا عن آخر لن يغير في سياسات تلك الدول ونظرة شعوبها تجاهنا.
وأتذكر جيدا متابعة العديدين منا لانتخابات الرئاسة الأميركية بعد نهاية ولاية بيل كلينتون كما سبقها من ولايات في الماضي، وظن الكثيرون بأن القادم سوف يكون أكثر رحمة وعدلا بقضايا العرب والمسلمين من سابقيه.
واكتشفنا بعد يومين من انتخاب جورج بوش بأنه أكثر كرها لنا وحقدا علينا وتدميرا لقضايانا وبلداننا. مع هذا ما زلنا نحافظ على عادة التلصص على انتخابات الدول المتحضرة والمتقدمة علينا.. وتقييمها وتفسيرها وتحليلها.
قبل أيام قرأت مقالة طويلة جدا باللغة العربية نشرت على صفحات أحد المواقع الإلكترونية تناولت نتائج الانتخابات البلدية الفرنسية الأخيرة التي تفوق فيها اليسار على اليمين الذي ينتمي إليه الرئيس الفرنسي الحالي.
ولم يخف صاحب المقالة (زيد من الناس) غبطته لما لحق بشخص ساركوزي من ضربة وجهها له الشعب الفرنسي، مبينا كيف أن هذا الرئيس خسر مصداقيته لدى الرأي العام الفرنسي بعد أن وضع الجنة تحت أقدام الناخبين قبل وأثناء وبعد حملاته الانتخابية التي جرت قبل سنة تقريبا.
وأن الرئيس الفرنسي هذا لم يقدم أية حلول عملية وملموسة لبلده منذ توليه مقاليد الرئاسة قبل أكثر من تسعة أشهر. وأنه بدلا من الاهتمام بقضايا شعبه العالقة اهتم بقضاياه الخاصة من طلاق وزواج وسفر وشهر عسل ويخوت، وأن السكرتير العام للإليزيه كلود جيان برر انخفاض شعبية رئيس فرنسا إلى انشغاله بحل قضاياه الخاصة.. إلخ.
بالطبع هذا التبرير قابله الفرنسيون هم أيضا بالسخرية والتهكم، (ع س م = على سبيل المثال)، حين علق أحدهم بسخرية على هذا التبرير كاتبا على احدى صفحات الإنترنت أيضا مخاطبا القارئ: (اذهب إذن غدا إلى مدير عملك وأخبره بأن يسامحك لعدم قيامك بواجباتك الوظيفية الشهر الفائت لانشغالك بتسوية قضاياك الخاصة..).
من جانب آخر، كتب آخر (عمرو من الناس) مقالة أيضا بالعربية قبل أيام ولا تقل عن سابقتها من كيل الانتقادات للانتخابات الأميركية الحالية، موضحا كيف أن الداخل ليس بأكثر حبا للعرب من الخارج، وأن اللوبي الصهيوني (وهي عقدة عربية لدينا) هو من يقرر الفائز في النهاية بما يتماشى مع مصلحة بقاء دولة إسرائيل لأطول فترة ممكنة.
وأن الشعب الأميركي شعب عنصري لأنه لن يختار رئيسا ملونا، وغير عادل لأنه لن يختار امرأة خاصة وأن زوجها كانت له صفحات (ملطخة) ببقايا العلاقات الغرامية في عقر دار البيت الأبيض، بل في ممراته ومكتبته مع متدربة تبحث عن مستقبلها المهني وبوجود السيدة الأولى هيلاري كلينتون في نفس المكان.. إلخ من هذا الكلام.
الحقيقة أن معظم مقالاتنا الصحافية تتركز أثناء الانتخابات الأميركية والبريطانية والفرنسية حول التهجم على الديمقراطية الغربية التي تعتبرها مجرد مسرحية كوميدية تتبادل فيها الشخصيات الأدوار كل فترة من الزمن محددة، وأن المشاكل هي نفسها دون حل لتحال بعدها إلى الرئيس الجديد الذي وعد بإصلاحها ولينقلها بدوره للذي بعده بعد انتهاء مدته وهكذا.
هذا صحيح إلى حد ما. ولكن علينا أن لا نرمي بيوت الآخرين بالحجارة عندما تكون بيوتنا من زجاج. فلو كانت بلداننا تتمتع بعُشْر (بضم العين وتسكين الشين) الديمقراطية التي لديهم لكان لنا خمسون في المئة من الحق في انتقاد الدول التي تقدمت علينا في هذا المضمار منذ عهد الثورة الفرنسية.
نحن لا نؤمن بأن الديمقراطية في الغرب قد وصلت إلى حد الكمال والمثالية والنزاهة المطلقة ولكنها على الأقل تمارس وفقا للقوانين التي تحكمها. وأيا كان الاختيار الفرنسي لساركوزي أو سيغولين رويال أو الاختيار الأميركي لماكين أو أوباما أو كلينتون.
فإنه يظل اختيار الفرد الفرنسي والأميركي لرئيس يفكر كما يفكر هو. أما نحن فيجب علينا أن لا نظل مجرد متفرجين منذ خروجنا من الأندلس فنشغل وقتنا وصحفنا ومواقعنا الإلكترونية بانتقاد الآخرين ونحن أحوج ما نكون فيه لانتقاد الذات.
نحن في حاجة لمراجعة موضوعية لأخطائنا وقصورنا وتخلفنا في بعض المسائل المهمة قبل أن نناقش ونعدل ونقوم من أخطاء وقصور وتخلف الآخرين. وعندما نتقدم عليهم بمسافة (شرطة) واحدة عندها يحق لنا أن نمنح رأينا.
لكننا للأسف نقف خلفهم بمسافة مئات السنين، رغم أننا نملك ما بين يدينا دستورا مفصلا وواضحا لكيفية تحقيق وتطبيق نظام الشورى السياسية التي تصلح لكل زمان ومكان في حين نلهث خلف أشكال الحياة السياسية والبرلمانية والرئاسية (بل حتى الثقافية) لدى الغرب الذي لم نتوقف عن التفاخر بأننا مصدر حضارته وتقدمه.
الدولة العربية الوحيدة التي تختار رئيسها على الطريقة المتحضرة هي لبنان: واليوم حتى لبنان لا يزال من غير رئيس منذ أن غادر اميل لحود قصر بعبدا قبل أربعة شهور، وأول محاولة اختيار رئيس حكومة عربية بطريقة متحضرة ونزيهة تم إجهاضها وكانت في فلسطين.
صحيح أن الأغنياء هم فقط من يتمكنون من الوصول إلى سدة الحكم في الغرب لما تحتاجه الحملات الانتخابية من أموال طائلة ودعم ذوي النفوذ واللوبي غير المرئي، وبالتالي تستبعد الديمقراطية الغربية كل من هو متوسط الحال للوصول إلى هذا المنصب.
وصحيح أيضا أن الغرب الذي لا يكف عن اتهام المسلمين والعرب بعدم منح المرأة حقوقها كاملة هو أيضا نادرا ما ينتخب امرأة لترأس بلاده، وصحيح أن الشعارات الرنانة التي يرفعها المرشحون قبل الانتخابات لا تتعدى كونها مجرد أحلام وردية تباع للفقراء بأسعار باهظة.
وصحيح أن العنصرية اللونية ما زالت تسيطر على الديمقراطية الغربية، وصحيح أن الديمقراطية الغربية ما زالت تطبق سياسة الكيل بمكيالين، ورغم ورغم كل هذا وذاك إلا أنه لا يحق لنا أن ننتقد الديمقراطية الغربية ونحن نفتقدها في عقر دارنا.
على الأقل نقرأ ونشاهد ونسمع (على عكس حكمة: لا أرى لا أسمع لا أتكلم) عن المعارك الانتخابية لديهم (بكل محاسنها ومساوئها) ونتعلم منها ونسكت إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.