كروان عبد الهادي
لم يسبق أن تدهورت العلاقات السعودية السورية إلى المستوى الذي وصلت إليه اليوم كما لم يسبق أن انقطع الحوار بين القاهرة ودمشق بالقدر الذي نشهده في الفترة الأخيرة علماً أن المثلث المصري -السوري- السعودي كان المثلث الذهبي ومصدر القرار العربي خلال العقود الثلاثة الأخيرة متقدماً على التدخلات والتوجهات الخارجية.
وليس سراً أن لبنان شكل في مرحلة "اتفاق الطائف" وما بعده همزة وصل في العلاقات السعودية السورية، وقد وافق الرئيس السوري السابق بل دعم عقد مؤتمر الوفاق اللبناني الذي أسس للميثاق الثاني على أرض المملكة في عام 1990م والتزمت دمشق تطبيق هذا الميثاق طوال خمس عشرة سنة بين الأطراف اللبنانية، لكن العلاقات بين البلدين شكلت خطاً انحدارياً منذ اغتيال "رفيق الحريري" وسط حديث محلي ودولي عن دور سوريا من هذا الاغتيال وجاء القرار (1559) وعقبه الخروج السوري من لبنان وانقطع حبل الود.
وفي أعقاب حرب يوليو 2006م صدرت عن دمشق تصريحات لم ترق للمسؤولين السعوديين ترافق معها عدد من الاتهامات السورية للسعودية على اعتبار أنها تقوم بأعمال تحريضية منعت طائرات نقل تحمل إمدادات ومواد تموينية ومنع شاحنات سورية من المرور إلى الأراضي السعودية ، لكن الرياض أوضحت فيما بعد أن منع الشاحانات تدبير متخذ منذ سنوات للحد من عمليات التهريب للمخدرات والأسلحة داخل المملكة.
ومع تصاعد حدة الأزمة اللبنانية كان لافتاً اضطرار السفير السعودي في بيروت إلى المغادرة خوفاً من مهاجمة السفارة على إثره حدث خلاف بين نائب سوريا فاروق الشرع الذي أعاد تراجع العلاقات إلى الكثير من الشخصيات ووزير الخارجية السعودي، والذي بدوره حمل دمشق مسؤولية التدهور.
لكن هذه الأسباب مجتمعة ما هي إلا عوارض فالسبب الأساسي هو التحالف السوري الإيراني، لأن داخل المملكة من يتوجس بأن هذا التحالف بات يحكم الصراع الداخلي في العراق بين أهل الشيعة وأهل السنة وما ينطوي عليه من انعكاسات محتملة داخل المملكة وبعض أطراف الخليج بالإضافة إلى لبنان واحتضان إيران لحزب الله والمبالغ المحولة إلى هذا الحزب في حرب يوليو في إطار التحالف الإيراني السوري وامتداداته العربية وما ينطبق على لبنان والخليج ينطبق على الأراضي الفلسطينية في غزة بصورة خاصة،الأمر الذي يعمق الفجوة بين دمشق والرياض على مختلف المستويات، وثمة من يهمس داخل الاجتماعات الخليجية المغلقة بأن تعاوناً بين طهران ودمشق على إسقاط "اتفاق مكة" بين فتح وحماس من أجل الهيمنة على جزء من القرار الفلسطيني وأن المعادلة السورية الإيرانية بالغة الخطورة في العراق وهي التي تمنع المصالحة الوطنية في بغداد كما في بيروت... من أجل أن تدرك حجم التدهور الذي طرأ على العلاقات السورية السعودية نعود قليلاً إلى الوراء أثناء تولي بشار الأسد السلطة بعد رحيل والده، كانت الأجواء غير مريحة والتساؤلات قائمة عن مستقبل سوريا في ظل غياب قائدها.. إلا أن السعودية قدمت الدعم من خلال العديد من الاستثمارات حيث بلغ عدد الاستثمارات السعودية السورية المشتركة "خمسين مشروعاً" وكل ذلك اعتبر تجسيداً للاهتمام السعودي باستقرار سوريا واستقرار النظام.
ولكن ما حدث في 2005م عندما اغتيل "رفيق الحريري" هو قيام السعودية باحتضان ورثته سياسياً ومادياً، ودعم في المحافل الدولية الدعوة لانسحاب سورية من لبنان وقامت بتنظيم حملات إعلامية مباشرة وغير مباشرة ضد التوجهات السورية ولأول مرة طفا الخلاف السوري السعودي على السطح بصورة شبه دائمة وبلغ التوتر أوجه عقب"اتفاق مكة" حيث قامت السعودية باتهام نائب الرئيس السوري "بالكذب والاستهتار" ووصفت الدولة السورية "بأنها تذهب أدراج الرياح، وبأنها تنكر بوحدة الصف العربي وتعمل على سياسة نشر الفوضى والقلاقل في المنطقة؟ كان ذلك رداً وصف الشرع بأن الدور السعودي مشلول وانتقدهم بوصفهم المعتدلين "مشيراً إلى أن الاعتدال لا يعني الاستكانة".
إن السعودية تابعت بكثير من الاستغراب التصريحات التي صرح بها الشرع والتي تستهدف الإساءة إلى المملكة هذه الحملات الإعلامية التي ترددت أصداؤها في صحف المملكة أعادت إلى الذاكرة تصريحات الرئيس السوري في أغسطس 2006م عن إنصاف المواقف وراء الرجال، وكان يقصد السعودية - الأردن - مصر- خلال حرب "يوليو"، وفي أعقاب هذه التصريحات أيقن المراقبون جميعاً أن المثلث المصري، السوري، السعودي انهار فعلاً وبات من الماضي، وأن هذا المثلث الذي شكل على مدى ثلاثة عقود القطر الأهم للنظام العربي قد انفرط بعدما خسر أحد أضلاعه الأساسيين نتيجة التطورات الإقليمية والدولية التي تسارعت بعد 11 سبتمبر 2001م.