كروان عبد الهادي الشرجبي
"الأحياء الأموات"
حياة صعبة تحياها فئة من الناس أخذت أعدادها في ازدياد مع طغيان المادة والحياة الاستهلاكية التي حولت كل شيء حولها إلى بضائع قابلة للبيع والشراء والمساومة ونجحت في تحول الضمائر إلى سيارات تاكسي والقلوب إلى أطباء الضغط والعقول إلى مصحات نفسية، ونجح هؤلاء في ان "ينمطوا" الحياة المعاصرة: فلا مجال للصداقة والإخلاص والمودة إلا من حدود المنفعة. . صار الأب يستغل أبنه. . والابن ينهب أباه واختلط الحابل بالنابل وأصبح الإنسان آلة لجمع النقود، وتدخل المشاعر إلى ثلاجة الموتى وما أكثر الموتى الأحياء، الذين يكون مظهرهم كالأحياء ولكنهم في الحقيقة أموات، هدفهم قتل البشرية كلها وتحويلها إلى جثث متحركة ومخيفة وهذا ينطبق على كل إنسان تكون حياته مكرسة لهدف واحد يلغي بقية الأهداف التي نشأ عليها البشر منذ القدم وأهمها الشعور بالذات وبالآخر وتقديرهما.
ولابد من حملة توعية لإحياء الضمائر الميتة وبئ الروح في المشاعر المتبلدة التي تحيط بحياة آلاف الناس وتحولها إلى ركام ومن ثم ينتبه الشخص وقد خسر عائلته وأصدقاءه ونسى أقاربه.
فأي معنى لحياة الإنسان أن اقتصرت على جانب واحد هو المادة التي هي في الأصل وسيلة لغاية كبيرة ونبيلة وهي عمارة الحياة بالحياة نفسها وليس بالموت أو بمرادفاته التي صارت ظاهرة، فمن ينقطع عن زيارة أقاربه، ورؤية أهل بيته، لا يمكن أن يعده الناس من الإحياء، بل هو ميت من الناحية الإنسانية، وحي من الناحية البيولوجية حياة غير آدمية، لأن للإنسان مفاهيم هو أبعد ما يكون عنها.
ولذلك يجب نشر الوعي بأهمية الجوانب النفسية والإنسانية بين هذه الفئة من الناس الذين لو هلك الواحد منهم بين أمثاله ما وجد من يتولى دفنه، بل تظل جثته منسية كجثة أي شخص لا قيمة له.