;

شعار يسقط دولة 944

2008-04-13 18:47:40

د. فضل بن عبد الله مراد*

لا يستهان بالشعارات فإنها تعبيرات عن الحقيقة العمق، وموجز التوجه، وتلخيص هدف، إنها إعلام بكافة وسائله تعجز وسائل الإعلام الحديثة عنه وتقف كالحة أمامه.

إن الشعار رسالة، ولا يحمله إلا صاحب رسالة سواء كانت حقاً أم باطلاً كان يدخل الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- في خلافته المسجد، فيهتز المسجد بشعار "الله أكبر لا حكم إلا لله" من تنظيم فكري (الخوارج) يمارسون صلاتنا، لكن بخضوع وخضوع وبكاء يصومون النهار، حتى يحتقر أحدنا صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم كما صح وصفهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخرجون على حين فرقه. يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم أي يقرؤون بلا فهم ولا تعقل ولا تدبر. .

هؤلاء استعملوا مكان التجمع الديني "المسجد" والتجاري "الأسواق" لإعلان توجههم ثم لخصوا فكرهم في شعار هو "الله أكبر لا حكم إلا لله".

ثم أعلنوه في الأماكن العامة والمساجد. ثم تحينوا أوقات تواجد الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- في المسجد وحال دخوله إليه، فيصيحون بصوت واحد بهذا الشعار فقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- كلمة حق أريد بها باطل". . إن الشعار لا غبار عليه ولكن ما وراء هذه الحناجر من الباطل ما وراء هذا الحق من أهداف مستورة، ثم قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- "لكم علينا ألا فمنعكم المساجد، وألا نسل السيف عليكم حتى تكونوا أنتم قد سللتموه علينا".

ثم تطور الأمر في رؤوسهم حتى اغتالوا الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه- وسلوا السيف على الجماعة، وكان له - رضي الله عنه- معهم حروب ومعه الصحابة فقهاء وقادة كابن عباس وغيره.

إن الشعارات لها دور كبير في صناعة الموقف وصناعة جنود الموقف لقد واجه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- الشعار بشعار خالد "كلمة حق أريد بها باطل" وكان لهذه الكلمة الجامعة الخالدة الأثر الكبير في صياغة التوجه العام. نعم ولا الحكم إلا لله حق".

لا إنكار عليه، لا غبار عليه، إلا إذا أريد به باطل، لقد استهدف -رضي الله عنه- إبطال تجمهر الناس حول الشعار بهذه الكلمة العجيبة ولو أنه قال هذا كلام باطل لهيج الجمهور المسلم الغيور لكنه أحقه ومحقه وسحقه. يا لهذا القائد الجهبذ والسياسي المحنك. إن القيادة التي تعجز عن مواجهة الشعار بشعار قيادة غير رسالية، أما علي - رضي الله عنه- فهو رسالي يحمل راية الإسلام تشريها منذ الصغر، يعرف ما الهدف، وما الرسالة، وكيف يعالج بهذا الرسالة المتاعب ويوجه بها الشعارات، والكتابات، والآراء والعقائد وإن اقتضى الأمر يعرف متى يواجه عسكرياً ومتى ينهي ذلك.

لا لشيء إلا لأنه يحمل رسالة، وكل حامل رسالة يعرف ماذا يفعل، قامت الثورة الإيرانية على شعار "الله أكبر الموت لأميركا الموت لإسرائيل" شعار اتخذ تسبيحاً في المساجد في الشوارع، على سطح المنازل، إنه عنوان فكرة ومؤشر ثورة وأخذ أنصار هذا الشعار في التكاثر يعملون ولا يعلمون خلفيات ذلك وما الهدف منه فكان هذا الشعار فاعلاً فعالية حصار الغرب للعراق والفارق أنه أسرع منه.

لأنه حصار فكر يحاصرك بالشعارات من هنا ومن هناك وإذا حوصرت الأفكار انهارت المنظومات التابعة لها وكان سقوط دولة الشاه.

إن الفتح الإسلامي كان شعاره "الله أكبر الله أكبر" هكذا مجرد عن موت أحد أو حياته، لأن المقصود منه إعلاء دين الإنسانية لتكون كلمة الله هي العليا فحسب ولا يقتضي موت أحد أو حياته ضرورة، إن هذا الشعار حرر أعظم دول العالم.

لقد كان قادة الدين وجنوده الفاتحون يفهمون تماماً الهدف من رسالتهم، ما الحامل لهم على الجهاد لإعلاء كلمة الله حتى إذا سئل أحدهم عن ما جاء بهم رد عليه أبسطهم بقوله: "جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد".

هذا التلخيص الدقيق للهدف هو ناتج عن استيعاب أصلاً لهذا الهدف، بدون أن يدخلوا ويلقوا ذلك في دورات تدريبية أو يكتب لهم ذلك الشعار في لوحات ضوئية، لكنه الفهم الدقيق العام لكل فرد في المجتمع المسلم، ما رسالته؟ ما دوره؟ إننا لو سئل أحدنا اليوم أن يشرح الإسلام في زمن دقيقتين لمن يريد التعرف عليه لما استطاع ذلك، لأنه غير مستوعب له كهم في القلب، هم رسالي يوجب تبليغه والدعوة إليه، بل بلغ ببعض المرضى في المجتمع أن يدعوا إلى الكفر بالله والردة عن دينه ويناقشوا ذلك معلنين باسم الحرية فهل في قلوب هؤلاء حب لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم-؟؟! فمن كان يحب الله ورسوله فليحب للناس ما يحبه الله ورسوله لا أني بيّن لهم حرية ارتكاب أعظم منكر عند الله ورسوله.

أتدرون ما أخطر شيء في الشعار؟ أخطر شيء أن يولد عاطفة وعقيدة وولاءً له وبراءً ممن يعاديه.

نعم إن العاطفة كالعاصفة التي تجتاح أي شيء يقف أمامها وتحوله إلى ركام وهذه العاطفة تهيج وتشتعل كلما سمعت ما يخدمها من شعار يلخص مسارها وهدفها ورسالتها.

لذلك تحول هذا الدين إلى عاطفة في القلوب بلغت ذروتها حين تلاشت أمامها كل دواعي الدنيا والحكام والأهل والولد والعشيرة والزوجة والأوطان حتى استوطن أصحابه الأولون في غير موطنهم، وانظر إلى أكثر الصحابة -رضوان الله عليهم- تجد قبورهم ليست في بلدانهم بل في أصقاع الأرض هذا في الشرق وهذا في جزيرة في البحر وهذا في الصحراء وآخر في القرن الأفريقي، وكوكبة على مشارف أوروبا، استوطنوا هناك وحملوا رسالة الله إلى العالمين فدخل الناس في دين الله أفواجاً، إنها عولمة الإسلام للعالم أن يصبح العالم في قلب صاحب الرسالة كله سواء، لأنه وجد ليحمل رسالة فأينما أدركه الموت فذلكم الموطن له وطن.

هذه هي ذروة الإيمان ذروة الحب ذروة العاطفة لخصها - صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" وفي حديث آخر "من ماله ووالده وولده والناس أجمعين". هؤلاء هم في الحقيقة حملة شعار التوحيد، شعار العدالة شعار الحرية شعار الحياة لا شعار الموت. .


*أستاذ مقاصد الشريعة وأصول الفقه وقواعده بجامعة الإيمان

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد