جلال عارف
بعيداً عن أوهام الرئيس الأميركي، وأكاذيب العصابة اليمينية الصهيونية التي دفعته لغزو العراق، تقف الولايات المتحدة بعد خمس سنوات من هذا الغزو في مواجهة فشل يصل إلى حد الكارثة، ويقف الرئيس الأميركي في نهاية ولايته الثانية محاطاً بجثث أربعة آلاف شاب أميركي راحوا ضحية «الرؤية» التي يزعم أنها جاءته من السماء مباشرة للإقدام على جريمته التي تركت حتى الآن عشرات الألوف من الجرحى بجانب من قتلوا، وتركت اقتصادا يعاني كارثة بعد أن كلفته «رؤية «الرئيس الملهم حوالي ثلاثة ترليونات دولار حتى الآن وفقاً لبعض التقديرات، وتركت مجتمعا منقسماً على نفسه.
ورغم التعتيم الإعلامي ومحاولات تضليل الرأي العام فلا شك أن ضمير الشعب الأميركي سوف يعاني كثيراً حين يدرك أبعاد الجريمة التي ارتكبها بوش والعصابة المحيطة به بتدمير العراق وقتل وتشريد الملايين من أبنائه بفضل «بركات» الرئيس الملهم الذي ضمن مكانه في التاريخ كأسوأ رئيس حكم أميركا.
والفشل الأميركي (من زاوية المصالح الأميركية) يبدو مرعباً في ضوء الحقيقة التي تأكدت بأن قرار غزو العراق كان متخذاً قبل سنوات، وأن المجموعة التي فشلت في إقناع الرئيس الأميركي السابق كلينتون بشن هذه الحرب، هي التي جاءت بالرئيس بوش لينفذ لها مشروعها، ووجدت في أحداث 11 سبتمبر والمناخ الذي خلقته فرصتها رغم إدراكها انه لا علاقة للنظام العراقي بهذه الأحداث من قريب أو بعيد.
وكان مشروع هذه العصابة اليمينية ينطلق من أن انفراد أميركا بزعامة العالم يعد انهيار الاتحاد السوفييتي ينبغي أن يترجم بإقامة أعظم إمبراطورية في التاريخ، ومنع أي احتمال لمنافستها من قوة أخرى وكانت السيطرة على الشرق الأوسط وثرواته البترولية جزءاً أساسياً من هذا المشروع إدراكاً بان المنافسة في المستقبل سوف تحكمها القوة التي تسيطر على مصادر الطاقة.
والآن يحاسب الشعب الأميركي إدارته على فشلها من زاوية الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية التي ألحقتها به وبسبب ضياع الحلم بالإمبراطورية الأعظم في التاريخ، ولكن ماذا عما ألحقه هذا «الفشل «الأميركي بنا؟
إن «الفشل» الأميركي يترك وراءه حتى الآن مليون شهيد عراقي، وقطر عربي كان يمثل ثقلاً استراتيجياً وعربياً ، فإذا به يصبح حطام دولة تم تدميرها وإعادتها إلى العصور الوسطي كما وعد مخططو العدوان عليها. بينما شعب العراق يتحول إلى عشائر تتقاتل ومصيره معلق بمصير العلاقة بين أميركا وإيران. . سلما أو حرباً.
و«الفشل» الأميركي وضع نفط العراق تحت هيمنته ولن يفرط فيه، وبسط نفوذه على المنطقة التي يعتمد على نفطها كل المنافسين المحتملين له. . من الصين والهند واليابان شرقا، إلى أوروبا التي تعرف أميركا أن مصالحها الاقتصادية ستتصادم معها إن عاجلاً أو آجلا.
و«الفشل» الأميركي خلق المناخ المناسب لتصفية القضية الفلسطينية بالشروط الإسرائيلية. ووضع لبنان في قلب الأزمة وكان المحرك لحرب إسرائيل الفاشلة في صيف 2006 ، ومازال مصمماً على إبقاء الأزمة بدون حل بإعلانه رفض المبادرة العربية التي يرى فيها الجميع داخل وخارج لبنان المخرج من الأزمة.
و«الفشل» الأميركي هو الذي لعب بورقة الديمقراطية حين ظن أنها تقدم له مبرراً لجريمته في العراق وتتيح له ورقة ضغط على النظم العربية، ثم سرعان ما تخلى عنها حين وجد أنها تنتج أوضاعاً أكثر عداء له.
وفي الحالتين كان الخط الأساسي للسياسة الأميركية الفاشلة هو ما أعلنته عن إشاعة حالة من الفوضى أسمتها ب«الخلاقة». ربما بمعنى أنها «تخلق» الظروف المواتية لتحقيق الهدف الأميركي وهو «إعادة رسم خريطة المنطقة وفقاً للمصالح الأميركية وحدها».
كل هذا تم ويتم في ظل «الفشل «. فماذا لو كنا نواجه النجاح الأميركي؟! وهل يصح تعميم القول بهذا الفشل؟ أم أن الفشل الذي أصاب المصالح الأميركية بأفدح الأضرار، كان في نفس الوقت نجاحا لجزء هام من مخطط العصابة اليمينية التي استولت على الحكم مع تولي بوش قبل سبع سنوات؟ ألم يكن من أهداف هذه العصابة تدمير العراق وتوجيه ضربة قاصمة للعالم العربي من اجل إسرائيل. وكان التلويح للإدارة الأميركية بالسيطرة على بترول العراق والمنطقة هو جواز المرور لهذا المخطط؟
لقد فشلت السياسة الأميركية منذ غزو العراق، ودفع الشعب الأميركي الكثير من دماء أبنائه ومن مصالحه لان مصالح إسرائيل كانت هي الأهم عند هذه العصابة الحاكمة في أميركا التي لم تضع حساباً للرابح الآخر من تدمير العراق وهو إيران. . التي أصبحت مواجهتها أمراً واقعاً تحاول نفس العصابة مع اللوبي الإسرائيلي أن تجعل الحرب هو الوسيلة الوحيدة للتعامل معه، رغم أن العقلاء في الإدارة الأميركية يخشون عواقبها.
أما نحن فندفع كالعادة كل الفواتير. . دفعنا وندفع فاتورة الفشل الأميركي، وفاتورة إخضاع السياسيات الأميركية للمصالح الإسرائيلية، وفاتورة أرباح إيران من تدمير العراق. وبينما تتصارع كل الأطراف على مستقبل المنطقة ومستقبلنا. . تفشل وتنجح، وتنتصر وتنهزم، نكتفي نحن بالفرجة وانتظار النتيجة ودفع الفواتير في كل الأحوال!!