;

هيبة القانون وهيبة منفّذيه؟! 880

2008-04-19 12:25:29

علي صالح القادري

أفكار كثيرة وخواطر وتساؤلات أكثر وعلامات تعجب خطرت على البال وتدافعت إلى الذهن أثناء ذهابي إلى المؤسسة راكباً إحدى وسائل المواصلات العامة "باص متوسط"، تدافعت تلك الأفكار بعد أن توقف "الباص" بعد تجاوزه إحدى الجولات ببضعة أمتار لصعود عدد من الركاب حيث التوقف ممنوع وفقاً لقانون المرور ولوائحه، وفي هذا المكان بالذات، الذي أمرُّ منه مرتين في اليوم أثناء ذهابي إلى العمل وعودتي منه، اعتدت على سماع عبارات باللهجة المحلية يردُّ بها سائقو "الباصات" على كل من يطلب إليهم من الرُّكاب التوقُّف للنزول، تلك العبارات وإن اختلفت ألفاظها من موقف وسائق إلى آخر إلاَّ أنها تحمل مضموناً واحداً هو رفض السائق التوقُّف خشية أن يسجّل رجل المرور مخالفةً عليه، أمام هذا الرّد المنطقي المتمثّل هيبة رجل المرور والخوف من جَرِّة قلم منه على قسيمة مخالفة يكتبها على هذا السائق أو ذاك تكبّده مالياً غلّة اليوم أو شطراً لا بأس به منها لا يكون أمام الراكب من خيار سوى الانصياع لأمر السائق المجبَر هو الآخر على الانصياع للقانون، سواءً كان انصياعه ناتجاً عن رغبة منه في الالتزام بمواده أو رهبةً من الشّخص الموكَل إليه تطبيق هذا القانون، صحيح أن الركاب يتفاوتون في تقديرهم لظرف السائق وتقبُّل عذره تبعاً لوعي كلٍ منهم، وطبعه حِدَّةً وليونةً إلاَّ أنهم في النهاية يرضخون لإرادة السائق فينزلون بعد مسافة بعيدة نسبياً من المكان الممنوع التوقُّف فيه للوقوف في المكان المسموح. . . وإن وُجِد من الرُّكاب من يتذمَّر أو يرفع صوته على السائق تصدّى له بقيّة الركاب بتهدئته وتنبيهه إلى ضرورة تقدير ظرف السائق وقبول عذره ليجد نفسه في نهاية الأمر مضطراً لتفهُّم عذر السائق ولو على مضض. . هذا هو الحال العام الذي ألمسه دائماً ويلمسه غيري من معتادي استخدام وسيلة المواصلات هذه من ردود أغلب السائقين وبصرف النظر عن دافع كلٍ منهم الكامن وراء التزامه ذاك، سواء كان ناتجاً عن رغبة منه في احترام القانون باعتباره لم يُسَن اعتسافاً واعتباطاً، وإنما سُنَّ لتنظيم حركة السير والحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم سائقين وركاباً ومشاةً. . أو كان ناتجاً عن خوف ورهبة من منفّذي القانون، فالتزام القانون سلوك إيجابي في كلتا الحالتين وإن اختلفت دوافع الالتزام به، بالرغم من أنه سيكون أكثر إيجابية لو كان الدافع الأول هو المحفِّز السائق تمثُّله واحترامه والانصياع له إلاَّ أنَّ ما حدث مع أحدهم "أي السائقين" وهو الباعث على كتابة هذه المادة في هذه المرّة أنَّه تجاوز أو غاب عنه الدافع الأول مستغلاً غفلة رجل المرور فتجاوز القانون بالتوقُّف ب"الباص" في المكان الممنوع، بعد بضعة أمتار من إحدى الجولات - كما ذكرت آنفاً - وأخذ يتلفّت تارةً صوب رجل المرور المنشغل بمراقبة حركة السيرة وتارةً نحو الركاب الذين أغراه عددهم الكفيل بملء الكراسي الشاغرة، بخاصة وأن "الباص" حينها كان خالياً إلاَّ من راكبين وكاتب هذه السطور، ولعلّ هذا هو ما دفعه إلى لمجازفة والتوقف المخالف لقواعد المرور ونظامه وأثناء تلفُّته الحذر المرور وقسيمته وطمعه في زيادة عدد الركاب قال لهم محفّزاً: "هيّا اركبوا بسرعة المرور عيندعْنا مخالفة بمدري كم. . !" ولأنَّه واقف ب"الباص" وقفة الخائف الحذر وكل همّه هو صعود الرُّكاب كيفما كان الأمر، لمضاعفة الإيراد بصرف النَّظر عن سلامة الركاب وسلامة غيرهم من أصحاب المركبات الأخرى التي يعيق حركة سيرها بسبب توقُّفه الخاطئ، وليتجاوز وقوفه ذاك بأسرع وقتٍ ممكن قبل أن يلتفت رجل المرور إليه وفي الوقت نفسه دون التفريط في راكب من الركاب المتدافعين لصعود "الباص" عقَّب بالقول: "بسرعة اركبوا والاَّ تعنقلوا عنقلة" هكذا وبهذا اللفظ، فالأهم بالنسبة له هو أن يصعدوا كلهم بسرعة ليملأ "الباص" ويتعزَّز الدخل، أمّا كيف سيكون حالهم بعدما "يتعنقلوا" ينزلوا شركة، يطلعوا وصال" فهذا الأمر هو الآخر غائب عن ذهنه كغياب القانون. . !!، الحاضر في ذهنه أمران إثنان هما: الحرص على زيادة الإيراد ورهبة رجل المرور، ساعتها جالت في ذهني عدة أفكار وارتسمت مثلها علامات تساؤل وتعجّب، وقلت في نفسي، إلى متى سيظل هذا هو حالنا في التعامل مع قانون مثل هذا أو سواه من القوانين، تعاملنا المُجبَر على الانصياع للقانون - في حال افترضنا أننا منصاعون له - خوفاً من الشخص المسؤول عن تنفيذه وتطبيقه لا احتراماً للقانون نفسه والتزاماً به؟! أليس الأجدر بنا أن نحترم القانون لكونه جديراً بالاحترام ولأنه أو سواه من القوانين ما شُرّع إلاَّ لمصلحتنا ولتنظيم تعاملاتنا وعلاقاتنا وتحديد ما لكلٍ منَّا وما عليه تجاه الدولة أو الغير أو. . تبعاً للقانون ومسمّاه؟ وقلت في نفسي أيضاً لماذا لا نلتزم بالقوانين إلاَّ رهبة وتهيباً من شخص المسؤول لا القانون؟ فعلى سبيل المثال لماذا لا يلتزم بعض المكلَّفِين بدفع الضرائب والواجبات إلاَّ إذا "عَسْكَرَتْ" الجهة التنفيذية المعنية بجباية ما عليهم من مستحقات مالية وتحصيلها منهم؟ ولماذا يتساهل البعض في تسديد فاتورة الكهرباء - حتى وإن كانت هذه الخدمة رديئة - إلاَّ إذا جاءت الفاتورة مختومة بالكَمّاشة الحمراء المهدّدة بفصل التيار الكهربائي أو إذا رأى موّظف الكهرباء ينصب السُّلَم ليقطع التيار؟. . وغير ذلك من الأمثلة كثير، وكثيرة هي الأمور التي تحتاج منّا إلى وقفة تأمُّل ومراجعة للذات. .

أُمنية. . في سياق الموضوع السابق وبعد ما سبق عرضه من أمثلة ذات صلة بالقانون والمسؤول عن تطبيقه أتمنى على كل مسؤول عن تطبيق القانون شُرطياً كان أو موظفاً أو مديراً أو مسؤولاً في مرفق حكومي، معنيٌ بتنفيذ القانون وتطبيق النظام في المرفق الذي يديره أن يكون نظيف الكفّ صافي الضمير، نزيهاً ينفّذ القانون ويطبّقه لأنه يشعر أنَّه ملزَم بتنفيذه، ينفّذه على المواطنين أو الموظفين التابعين لإدارته على السواء دون مجاملة أو محاباة أو اتّخاذه فزَّاعة لممارسة نوع من الضغط والابتزاز أو لمواراة فساده الذي يتوهّم أنه غير ظاهر أو ليظهر نفسه بثوب الوطني والرجل الصالح التقي أمام الآخرين في حين يعلم الآخرون عن فساده أكثر ممّا يعلمه هو عن نفسه وأن ثوب الوطنية الظاهر يخفي تحته فساداً وانعدام وطنية. . .

قال تعالى " ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلّهم يذَّكرون".

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد