شهاب الدين المحمدي *
. . شهران. . وشهيدان: أناقة الإيمان، ودلال الجلال الباذخ على أرض لم تغرب عنها أنوار النبوة يوماً، ولا سلبتها فجاحة المعتدين والغاصبين والمحتلين في تاريخها الطويل إشراقة الرسالة أو عذوبة الروح!!، حين تحملك ذكريات التاريخ نحو إيوان الشهادة الفخيم فكن على معرفة بأدب اللقاء قبل أن تصافح روح الشهيدين، وقبل أن تومئ إليك الأكف المرهقة، لكن الفتية -بالجلوس، وقبل أن يشرع ليل السماء ستائره الملكية ليبدأ الحديث العظيم، فإن للملائكة أيضاً احتفالاتها ومباهجها وفرحها وسرورها!!
وحين يسألك المحبون ما هو أقصر درب حتى تصل قلب المحبة؟ فخذهم إلى الدرب الذي مر منه الشهيدان، وحين يفترش التاريخ المتجول رصيف الإنسانية الحزين بكتبه فاسأله أي كتاب حوى قصة الشهيدين قبل أن تقتني شيئاً أو كتاباً، هيا أيها المبصرون فلتشرئب إليَّ أعناق أبصاركم فأنا على وشك الرواية، ولترهف الأسماع الكليلة كل ما فيها من حدة فأنا على حافة الكلام، وعلى هاوية النسور الشاخصة نحو وادي القداسة الخصيب!!
من منكم أيها الأحباب صوب النظر متمعناً في هذه أل"فلسطين. . العروس"؟ ومن منكم أحصى أو استطاع أن يحصي زفافات شهدائها؟ ومن منكم لاحظ كيف تعود العروس بكراً من بعد شيب كلما أزف زفاف آخر وشهيد جذل؟ هل لاحظتهم مثلي رشاقة الأغنيات وهي ترقص في أعراسها؟ وهل لاحظتم جميعاً أنها ليست هكذا بغير هذا الموطن؟
وحين ترحلون من تعب الكلام نحو غربة الشعر، هل شيء غير القصيدة يمكنها الحديث عن أبطالنا في فلسطين تنبت البهاء الحزين على طول الطريق بادرت الكرامة خبزاً للحرية، لم يغادرها أسى المسيح المبشر بأحمد. . لم يجف عن ترابها دمع الرحمة المحمدية السارية على براق النبوة! وهل يمكن لغير العروبة عموماً ولغير فلسطين خصوصاً أن تنجب أحمد ياسين والرنتيسي؟ وهل يكون لنساء غير نساء فلسطين أن يحملن صور الشهداء مثلما تحمل هدايا الزفاف؟ هنا على هذه الأرض لبست لبطولة أسطورة قديمة؟
كل قصة لا تفقد جدتها رغم قدم الحكاية، وهنا على هذه الأرض يشبه سقوط الدمع صوت المطر وقلب المطر، وهنا على هذه الأرض يرحل كل كلام أبكم تاركاً المكان للشعر والأغنية!!
هنا يترجل كل فارس عن صهوة جواده ليعتلي براقه الخاص، وهنا للبطولة مأدبة يصنعها ويشارك في صنعها الجميع الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والشباب والصغار، وهنا على هذه الأرض سيضع الحرب آخر مأدبة وموائده العظيمة المهيبة، لذا فليطمئن الجائعون إلى الحرية أنهم أخيراً سيشبعون!!
وحين نكتب عن الشهادة بغير الشعر، سيقدر للكتابة أن تكون فشلاً وللكلمات أن تكون ابتذالاً، وحين تعيا ألسنتنا عن الوصف، فمن الأفضل أن نترك منابرنا لكل بلاغة الصمت وزخات الرصاص المبين!!
هيا يا أحباب أتركوا أحزانكم هنا قبل أن تناموا في مساء فلسطين الذي لا ينام، وعندما تصبحون ستجدونها قد استمالت أفراحاً وجذلا وإن من تركوا أحزانهم هنا ليناموا قليلاً يعرفون ذلك، وهنا ليس النوم إلا غفوة قصيرة تملأها أحلام الحرية، وبشارات الرؤى بمجيء الكرامة التي لن تتأخر مهما بدى لكم أنها متأخرة!
هيا أتركوا دموعكم على راحتي كفي قبل أن ترحلوا، فليس شيء أشهى من دموعكم ولا أعتق منها خمراً حين يرغب السامر في الساقي والنديم وحين تخرجون لا تنسوا أن تقولوا لدمل العصر النابت على بضاضة التراب المقدس ها هو طب الشهادة حتى ينفجر؟، فقد آن، فقد آن، فقد آن!!
* مدير عام الإعلام والعلاقات والمؤتمرات بوزارة الأوقاف والإرشاد.