بقلم : زياد أبو شاويش
Zead51@hotmail.com
منذ فترة طويلة تقيم أمريكا الدنيا ولا تقعدها حول السياسة السورية والمواقف السورية تجاه قضايا المنطقة متهمة إياها بدعم الإرهاب والعمل على إفشال كل مبادرات الحل العادل لمشاكل العرب حسب الزعم الأميركي ، ولا تترك إدارة بوش مناسبة إلا وانتهزتها للهجوم على سورية والتحريض عليها بما في ذلك استخدام لغة التهديد والوعيد المرفوضة في كل الأعراف الدبلوماسية ، ولا يترك الرئيس الأميركي أي فرصة في الحديث عن الوضع في العراق إلا وأشار للدور السلبي لسورية في هذا الصدد ، ومعتبراً أن فشل السياسة الأميركية وحلولها العرجاء للمعضلة العراقية بعد احتلال العراق تتحمله سوريا في الدرجة الأولى ومن ثم إيران .
ومن راقب عن كثب مجريات القمة العربية التي أنهت أعمالها في دمشق قبل أسبوعين وما قامت به الولايات المتحدة لإفشال القمة يستغرب الحضور الأميركي ، بل الحرص على الحضور للقاء أمني يتعلق بالعراق ويعقد في دمشق برعاية سورية ، وينتج عنه إشادة بدور سوريا الايجابي في ضبط الأوضاع على الحدود والتخفيف من حدة الفوضى الأمنية السائدة في العراق بما في ذلك الشكر لسورية على دورها في مكافحة الإرهاب هناك .
وسر الاستغراب للحضور الأميركي يرتبط كما أسلفنا في السياسة المعلنة والعدائية تجاه القطر العربي السوري ، هذه السياسة التي جعلت أمريكا تضغط بكل ثقلها باتجاه منع حضور العديد من القيادات العربية إلى دمشق لإفشال القمة ومن ثم تحميل سورية مسؤولية هذا الفشل .إن هذا الحضور ورغم تغطيته بحضور شكلي للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي يشير بوضوح للبوصلة الموجهة للمواقف الأميركية تجاه مشاكل المنطقة ، وهي كما نرى مصلحة الولايات المتحدة الأميركية ، ولا قيمة لكل الحديث حول المباديء والقيم المدعاة من جانب دولة تحتل العراق وأفغانستان وتفرض حصارها وتعربد كما تشاء في المنطقة والعالم .
لعل هذا الحضور يقدم بعض الدروس لمن تغيب عن قمة دمشق إكراماً للصديق الأميركي ، وينير بعض ما أغلق على فهم آخرين ممن يتناوبون صباح مساء على انتقاد سورية ودورها القومي الايجابي تجاه كل قضايا العرب ومصالحهم .
إن لقاءات دمشق حول العراق وما نتج عنها من قرارات وبيانها الختامي تشير لخطأ الهجوم والإساءة لسورية ، تلك التي صدرت من البعض في عواصم عربية كانت حتى وقت قريب حليفة لدمشق وتنسق معها في كافة المجالات . وفي ذات السياق يجيء الحديث عن الحضور الأميركي في دمشق ليؤكد استنتاجنا حول هذا الخطأ وضرورة التراجع عنه لمصلحة التضامن العربي وتوجهات قمة دمشق التي تتولى سورية متابعتها بكل الصدق والحيوية .الولايات المتحدة الأميركية في مأزق منذ اندفعت لغزو العراق وأفغانستان وتدخلت في شؤون لبنان وغيره من البلدان العربية بذريعة محاربة الإرهاب ، وهي تقوم عبر رئيس إدارتها وقادة جيشها الغازي على تسويغ هذا الغزو وهذا التدخل وتصر عليه ، كما تقوم بتقديم كل الدعم والإسناد للعدو الصهيوني في عدوانه المستمر على الشعب العربي الفلسطيني ، ناهيك عن تقديم الغطاء الدولي لجرائمه اليومية ضد امتنا العربية واستمرار احتلاله لأرضنا ، فلماذا يقوم بعض الأشقاء بمساعدتها عبر اتخاذ مواقف غير ودية تجاه سورية في الوقت الذي تقوم فيه أمريكا بالتواصل والحوار في دمشق من أجل تحسين الوضع في العراق خدمة لأهدافها هناك ؟ .
إن حضور الأميركيين لاجتماعات دول الجوار وعلى أكثر من مستوى بما في ذلك اجتماعات وزراء خارجية دول جوار العراق ، ونيتهم في حضور مثل هذا الاجتماع في الثاني والعشرين من الشهر الجاري يجب أن يكون دليلاً لكل الدول العربية حول كيفية التعامل مع الواقع لخدمة أهدافنا القومية بما في ذلك التوقف عن توجيه الانتقادات لسورية ، والابتعاد عن لغة الربط بين بعض الأزمات العربية كالمشكلة اللبنانية وحلها وبين الاقتراب من سورية وتعزيز العلاقة معها فهي لغة الولايات المتحدة الأميركية والتي سرعان ما تبلع كل بياناتها ومواقفها وتحاور سورية وتحضر لقاءاتها إن اقتضت مصلحتها مثل هذه اللقاءات وهذه الحوارات فهل نتعلم من أمريكا ؟ وهل نطمع في رؤية تضامن عربي وعلاقات عربية تأخذ بعين الاعتبار المصلحة القومية وتنسجم مع روح قرارات قمة دمشق ونتوقف عن كل ما من شأنه تأزيم الوضع وارباك العلاقات العربية البينية لتسهيل حل المشاكل العربية المزمنة ؟.