محمد أمين الداهية
ما أروع تلك الفكرة التاريخية التي حظا بتنفيذها أكثر من مائة فنان وفنانة من أبناء الوطن العربي، فقد أصدروا صرخة قوية ومدوية خرجت من الأعماق تناشد وتستنجد وتستغيث بأبناء العرب الذين ماتت قلوبهم وانتزعت منهم الرحمة فيما بينهم ونسوا أنهم كانوا في يوم من الأيام إخوة أبناء أرض واحدة، ووطن واحد، وطن يشتكي أوجاعاً أليمة وظلماً مريراً، وطن يعاني من وباء ومرض خطير أصابه منذ سنين، وطن يتجرع مكرهاً دماء أبنائه ويحاول أن يمسح جرحه بدموع الثكالى التي لا تزيده إلا حرقة حسرة، وطن يقاوم موته بصلاة وبتضرع لخالقه آناء الليل وأطراف النهار أن يرد لأبنائه فلذة كبدهم الذي أطاعوه، وفجأة وبصورة مبشرة ظهر مجموعة من الأبطال تعاهدوا على أن يبحثوا جاهدين عن ذلك الضمير الضائع، فصرخوا واعلت أصواتهم وأشعلوا نار الحماس ببث ونقل تلك الصور والمشاهد، على ذلك الضمير أن يستيقظ ويثوب إلى وعيه ورشده، فيمسح بيده على صدر وطنه العليل ويبرأه من سقم وألم سنين كاد أن يودي بحياته، لقد هزت تلك الصرخات والمشاهد مشاعر العرب أجمعين إلا أنها أخفقت في إيقاظ ضميرهم الغائب الذي يعاني من غيبوبة مزمنة، لقد نقل لنا أبطال الضمير العربي من خلال ذلك العمل الرهيب الذين جعلهم يستحقون الشكر والتقدير على تلك الوطنية والقومية والمشاعر الجياشة التي ظهرت عليهم، حيث كانت ألحانهم وصرخاتهم تنطق بها قلوبهم قبل أفواههم، لقد نقلوا لنا حال أمتنا العربية وما يصيبها من ذل، وهوان، وفرقة وشتات، رأينا فعلاً كرامتنا وهي تداس، وتصهر وتموت، وإني أظن بل أعتقد اعتقاداً كاملاً أن كل من رأى تلك الدموع في أعين الشيوخ وذلك الذعر والخوف المرسوم على وجوه الأطفال وتلك الصرخات والاستغاثات لأولئك المسنات، كل أولئك هم آباؤنا وأمهاتنا وأبناؤنا نحن العرب، أجزم بأن كل من شاهد ذلك لن ينسى ما رأى طوال حياته.
أيها العقل الجبار أيها الضمير العربي: لقد هزّت المشاعر حقاً، لقد زرعت في صدرونا بذرة ضمير تحتاج إلى العناية والحفاظ عليها ومدها بما تحتاجه حتى تبلغ ينعها وتستكمل قواها لتضع لنا ذلك المولود "الضمير العربي" الذي سيكون له الفضل في إيقاظنا والمضي بنا قدماً نحو الدفاع عن كرامتنا ووطننا ومقدساتنا واستعادة مجدنا، فالشكر كل الشكر لأولئك المحاربين الأبطال الذين سخروا أقلامهم وعقولهم ومشاعرهم لإعادة زرع تلك الكرامة والضمير الذي فقدته أمتنا العربية.