عبد المجيد السامعي
يمكن لنا أن نقول أن الجهاز النيابي والقضائي هو بمثابة القلب في الجسد إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله...
وحتى يصلح هذا الجهاز فقد اجمع الفقهاء والمشرعون على مواصفات معينة للقاضي- منها أن يكون قد تخرج من الأكاديمية العليا لإعداد القضاة، ومنها كذلك أن يتحلى القاضي بالأخلاق السامية والراقية المتمثلة في دماثة الأخلاق والشهامة والمروة والوقار والسكينة، ومنها كذلك أن يكون قد تعلم علوم الشرع وآيات الأحكام وأحاديث الأحكام والناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والمطلق الجزئي والمقيد النسبي، بالإضافة إلى علوم الصارف التي تصرف النص عن عمومه أو تصرف العموم على الخاص. ومنها كذلك أن يكون القاضي قد تعلم القوانين الشخصية والقوانين الجزائية بحيث يستطيع أن يتذوق الحقيقة ويستشفها من خلال المعطيات والوقائع والأحداث.
هذه الشروط هامة جداً وأساسية يجب على القاضي أن يتحلى بها، أما بالنسبة للجوانب الشكلية فبعض العلماء الأوائل يشترطون أن يكون القاضي ملتحياً ومتوجاً بعمامة فقد قال الإمام الشوكاني عندما سقطت عمامته عند الصلاة ورفعها إلى رأسه فعاب عليه بعض المغالين فقال قولته المشهورة: "لحمل العمامة أخف من حمل إمامه" غير أن بعض المشرعين المتأخرين يعتبرون أن العمامة واللحية من سنن الزوائد- وعلى كل حال فإن العمامة واللحية تضفي على القاضي وقاراً وهيبة وسكينة ويتمكن من خلالها من أن ينال احترام الناس من حوله متخاصمين وغير متخاصمين.
وعلى القاضي أن يتجنب المزاح مع عامة الناس أو أن يأكل في قارعة الطريق فبعض المتحدثين الأوائل يقولون أن القاضي الذي يأكل على قارعة الطريق أو يقهقه تجرح عدالته.. على القاضي أن يعدل بين المتخاصمين بحيث ينفذ سلطة القانون والعدالة وأن يبتعد عن المحاذير التي قد تبطل حكمه وعليه كذلك أن لا يبش وجهه في وجه أحد المتخاصمين دون الآخر أو أن يسارر أحدهما دون الآخر وأن لا يصدر أحكاماً قائمة على إقرارات تحت التعذيب أو أن يصدر حكماً في ضوء أدلة مسجلة..
فالأدلة المسجلة عبر أجهزة المخابرات أو التليفونات لا تعتبر أدلة لأنها قائمة على أساس تجسسي وفي صريح النص قال تعالى "ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا"..
فذلك لا يجوز للقاضي أن يعزر أحد المتخاصمين أمام عامة الناس فأحياناً بعض القضايا تتطلب جلسات مغلقة بين القاضي والمتخاصمين فقط ولا يجوز التشهير بقضايا الناس عبر الصحف وتحميل القضايا أكبر مما تحتمل..
على القاضي أن يعمل على إصلاح ذات البين بقدر الإمكان وخاصة في قضايا الطلاق وما يترتب عليه من تمزيق أسري وتشرد للأطفال، كما لا يجوز للقاضي أن يستدرج أحد المتخاصمين للحصول على الاعترافات ولا يجوز أن يرغب المتهم ويغريه بالبراءة إذا ما اعترف بل على القاضي أن يداري الحدود لمجرد وجود الشبهة، وقد أجاز بعض المشرعين العلماء الأوائل في أن يعود في قبول الرجوع عن الإقرارات والاعترافات في كثير من القضايا - فإذا اعترف المتهم ثم غير رأيه فيقبل له القاضي ذلك الرجوع عن الإقرارات السابقة لأن الجريمة قد تطورت في عصرنا الحاضر فالذي ليس مرغوباً فيه من قبل النظام أو من قبل مراكز القوى في المعارضة قد يستخدم ضده عقاقير وحقن الهسترة، بحيث يفرز معلومات ملخبطة ويكون بذلك قد مورست ضده أبشع الجرائم التي يمكن وصفها والتي لا يمكن وصفها.
وعلى القاضي المختص أن يتنبه على أن لا يزيد الطين بله "وبدل ما يكحلها يعميها" كما يقول المثل وخلاصة القول علينا أن نبحث عن بعضنا وأن نبتعد عن التحريض والترويج لثقافة الكراهية في أوساط المجتمع حتى نخلق مجتمعاً موحداً يقبل بالتعايش مع الآخر كيف ما كان والله الموفق..