سعيد محمد سالمين
من ينظر إلى مبنى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك يجد أن أعلام الأمم مرتفعة أمام هذا المبنى الشامخ ارتفاعاً واحداً طلباً للمساواة، ولكن تناقض هيئة الأمم قد احتواه بناؤها، فالهيئة لها مجلسان أساسيان أحدهما يسمى الجمعية العامة والآخر وهو ذو شأن خطير، يطلق عليه مجلس الأمن.
إذ أن الجمعية العامة تدخلها كل دولة في الأرض مهما كبر شأنها أو قل قدرها، بمعنى آخر سواء كانت دولة كبيرة، غنية، قوية، أو دولة صغيرة، فقيرة،ضعيفة، وهكذا امتلأت الجمعية العامة بكثرة كاثرة من الأمم، فتشكل هذا المجتمع العالمي الكبير.
وقضت وثيقة هيئة الأمم بأن يكون لكل أمة من هؤلاء صوت واحد فقط عند التصويت وكأنها تمثل المساواة بعينها، ولكن هذه المساواة ناقضت حقائق الحياة الملموسة لأن الدول الكبرى ذا العيار الثقيل رأت أن أصواتها ستتعادل في كفة الميزان مع أصوات أمم ضعيفة لا حول لها ولا قو، في الكفة الأخرى من الميزان.
ولهذا تداركت القوى العظمى هذا الأمر منذ البداية باعتبارها هي التي صنعت وثيقة الأمم المتحدة، وذلك بأن خلقت إلى جانب الجمعية العامة مجلس الأمن، وجعلت فيه الخمسة الكبار من الأمم، بحيث لا يجري قرار في هذا المجلس ملزم إلا بموافقتهم جميعاً، فكانت قرارات الجمعية العامة قرارات لا تحمل قوة النفاذ إلا أن يوافق عليها مجلس الأمن.
وفي حقيقة الأمر أصبح مجلس الأمن هو مجلس إدارة هيئة الأمم المتحدة ولهذا أصبحت هيئة الأمم إنها هيئة الأمم الخمس الكبرى التي احتواها مجلس الأمن وهي "بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة، روسيا، والصين".
وقد سأل مرة رجل دبلوماسي أميركي منذ أكثر من ثلاثين عاماً في هذا الأمر: لماذا تتعالى الأمم الكبيرة على الأمم الصغيرة، فحيث تتساوى الأصوات لا يكون للقرارات نفاذ، وحيث تتفق أصواتكم أنتم وأنتم قلة تحمل القرارات قوة النفاذ؟ فأجاب قائلاً: ما هذا بالتعالي إنما هو الحرص على سيادة دولتنا، وذلك لأن القرار الذي تتخذه الجمعية العامة وفيها من فيها قد يمس حاجات لنا سياسية أو أخرى اقتصادية هي في الصميم من سيادتنا والسادة في العالم هم الذين يحملون التبعات الثقيلة.
ثم سئل هذا الدبلوماسي مرة أخرى بالقول: إذن كيف قبلتم ذلك في مجلس الأمن؟ فقال بكل ثقة: من قال أننا قبلنا، إن الفيتو "حق النقض" إنما وضع هناك لنستخدمه فيم لا نريد مما يمس سيادتنا.
ونستخلص مما ذكر آنفاً أن الاحتفاظ بسيادة الدولة الكبيرة هو الذي أفشل الجمعية العامة لهيئة الأمم، وهو الذي أفشل مجلس الأمن إن لم يكن القرار قد وافق الجميع عليه، وفي هذه الحالة فلا حاجة لاستخدام حق النقض فيه، ويتضح لنا جلياً أن الذي يجري سياسة هذا العام. ويحرك سياسته ليس هو العقل وليس هو العدل، وليس هو الإيمان بالمساواة، ولكنها السيادة في الحرب، والسيادة في ميدان الاقتصاد وما يتبعها من ميادين العلم وتقنية متطورة في المعلومات والاتصالات.
وهكذا بقيت هيئة الأمم منبراً إعلامياً خطيراً تسمع من فوقه الأمم الصغيرة أصواتها وينصت العالم، ولكن لا نفاذ لقراراتها، لأن الفئة القليلة المختارة من الأمم في عضوية مجلس الأمن الدائمة هي التي وضعت في يدها القوة كل القوة في نفاذ أي قراءة يحافظ على سيادتها القومية وأمنها القومي، ويصون ويرعى مصالحها في العالم.. فهل أدركنا نحن العرب هذه الحقيقة، واستوعبنا قواعد اللعبة السياسية التي تداولها الكبار في مجلس الأمن ويعملون في ضوئها في تحقيق مصالحهم وحدهم، والتحكم في مصائر شعوب العالم الذين لا حول لهم ولا وقوة، أرجو ذلك.