محمد أمين الداهية
كثيراً ما نسمع قوله سبحانه وتعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وخاصة عندما يدور الحوار بيننا والآخرين عن ظروف الحياة والمعيشة الصعبة وما صرنا إليه والكوارث التي حلت بنا من وباء وغلاء وفساد وانتشار متزايد للجريمة، وصراع فيما بيننا، لقد أذهلتنا أشياء كثيرة من هذا القبيل، حتى أن الأجواء أصبحت في أعيننا غير اعتيادية أو مألوفة فلم نعد نرى سوى أرضاً قاحلة وجبالاً جدباء صلبة وسماءً مصفرة شاحبة، كل ذلك شكل في حياتنا وجوهاً يائسة وقلوباً قاسية، وأصبح كل واحد منا لا يعرف إلا شيئاً واحداً فقط وهو "نفسي، نفسي" وعندما نتناقش فيما بيننا عن أوضاعنا ما أسرع أن تخرج من أفواهنا الآية الكريمة ""إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فنحن نلفظ أو ننطق هذه الآية الكريمة مجرد تعبير عن رأي أو نقد فقط، أما أن نعمل بها أو نتفق على أن نعمل بها ونغير ما بأنفسنا فذلك من المستبعد الذي قد لا يمكن أن يتوافق مع عقولنا ومصالحنا، نحن الآن في فصل الصيف وموسم الأمطار التي يبدو أنها لا ترغب في زيارتنا فهي كريمة والكريم لا يجب أن يزور إلا كريماً، بل قد يحسده في البذل والعطاء، فيسعى لمنافسته والبذل بسخاء أكثر، فلماذا لا نكون كرماء؟ ما الذي سنخسره عندما نزرع الرحمة في قلوبنا ونتعاطف فيما بيننا وننبذ الكبر والحقد والكراهية، والغل، والحسد، والنفاق، ونستبدل جميع الصفات المذمومة، ونغرس في أنفسنا ثمار الإخاء والمحبة والتسامح، ما الذي سنخسره لو عشنا حياة مليئة بالاحترام والتقدير والشعور بالآخر، ما هو المانع لو قوينا في أنفسنا مبدأ الإيثار الذي هو أصل المحبة والشعور بالآخرين فعلاً، إننا بحاجة إلى وقفة جادة مع أنفسنا ومحاسبتها وسؤالها، لماذا استبدلنا الذي هو خير بالذي هو أدنى؟ لماذا انقلبت علينا الظروف والأجواء،لماذا أصبنا بحمم من نار الوباء والغلاء والقحط؟ لماذا لم تعد الأمطار ترغب بزيارتنا ما الذي حول مجرى حياتنا؟ فقد كنا في خير وفير وحياة مطمئنة، كنا نملك وجوهاً زاهية رضية فلماذا أصبحت وجوهنا عبوسة شاحبة؟ لماذا نصلي ونتضرع إلى الله عزل وجل بأن يرحمنا ويمن علينا بالأمطار، ولا يستجاب لنا؟ لماذا لا نبحث في أنفسنا عن ذلك الرجل الذي أخبر عنه نبينا - صلى الله عليه وسلم- وقال: "رب رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره".
إذن نحن بالحاجة الماسة إلى تغيير ما بأنفسنا حتى يرحمنا الله ويغير ما بنا من مصائب وفتن أضنتنا، فلنتآخى بصدق وإخلاص ولننظر إلى بعضنا البعض بعين الرحمة والإنسانية وننزع الكبر والغرور من أنفسنا مهما كانت مناصبنا ومراكزنا، فنحن أخوة في نهاية الأمر وقد خلقنا الله بنفس الأوصاف ومزايانا بنفس المزايا وجعل الطرف والوحيد بين بني البشر"التقوى" فقط ولا شيء غيرها، فيا أيها الرؤساء في جميع المناصب الحكومية والخاصة أعطفوا على مرؤوسيكم ويا أيها الرعية تراحموا فيما بينكم، يمن الله عليكم بالرحمة وتظفروا بما تشتاقون إليه.