محمد أمين الداهية
كانت شمس ذلك اليوم حارة إلا أن مناوشات الحرب وأصوات الرصاص أنست المقاتلين من الضباط والجنود ذلك الجو الحار الذي لا يحتمل في الأيام العادية وخاصة وهم على أرض الميدان وفي مواقعهم التي لا تسمح لهم بأن يلتقطوا أنفاسهم أو أن يأخذوا قسطاً من الراحة، فالظروف لا تسمح فهجمات العدو مفاجئة ومتفرقة مما يتطلب من المقاتلين أخذ الحيطة والحذر، فبينما كان في مترسه يقظاً حذراً يترقب مصدر تلك الرصاص الغادرة يأتي إليه أحد زملائه من المقاتلين فيرفع نظره إليه فإذا به يرى دموعاً تنهمر بغزارة من زائره المقاتل فعرف أن هناك شيئاً لا يسر.. جثى ذلك الزميل على ركبتيه وأجهش بالبكاء، وبوجه ينتظر المفاجئة وجه اليه اسئلة لا يرغب في معرفة إجابتها ولكن ماذا يفعل يجب عليه أن يعرف، وبعد لحظات قاسية عرف من زميله أن الأعداء قد نصبوا كميناً أودى بحياة أربعة من زملائهم المقاتلين.. مر أسبوع على هذه الحادثة وبعد مرور ذلك الأسبوع الكئيب جاءت أخبار زادت من حسرة المقاتلين وتندمهم.. لقد صدر بلاغ بإيقاف إطلاق النار وأيضاً إيقاف تقدم قوات الجيش والذي لم يبق لهم إلا الشيء اليسير ويحققوا النصر ويقضوا على قوات الأعداء الذين أصبحوا محاصرين من قبل الجيش، وعاجزين تماماً من أن يقاوموا أو يدافعوا عن أنفسهم فلم يكن بيد المقاتلين حيلة إلا أن يرضخوا للأوامر الموجهة إليهم، حيث وقد تم إبلاغهم بأن هناك هدنة مؤقتة، ومفاوضات قد ربما يرجع للأعداء صوابهم.
هدأت الأوضاع وتوقفت الحرب إلا من مناوشات طفيفة، فبينما هو في مترسه يسامر القمر والنجوم، لكنه كان يقظاً لحراسة موقعه، دعته نفسه للحديث إليها فتذكر أن موعد زفافه قريب وأنه قد أكمل كل شيء من تجهيزات يوم فرحه، إلا أن الضجر والاستياء قطعا عليه الحديث عن موعد زفافه، ورجع بخياله من صنعاء إلى موقعه في صعدة حيث انتابته بعض الشكوك وأنه إذا تقدم بطلب إجازة قد ربما لن يحصل عليها فالأوضاع متأزمة والهدنة قد تنتهي.. دخل عليه الفجر بضوئه والأوضاع لا تزال كما هي شبه مستقرة، فما دامت الأوضاع وكأنها مستقرة قرر أن يتقدم بطلب إجازة مستغلاً الهدنة والوساطة التي تدخلت بين الجيش والأعداء، تمت له الموافقة على طلبه ومنح إجازة عرس، فكانت تلك الموافقة من أجمل لحظات حياته، وبسرعة جنونية اتجه نحو الهاتف مبشراً أسرته بأنه سيعود، تحدث إلى أمه بأنه سيعود إليهم خلال أيام الأسبوع الذي هو فيه، بعد ذلك تحدث إلى أبيه وأخبر أباه بأن كل شيء قد أصبح جاهزاً ولم يبق إلا وصوله لتكتمل الفرحة وتضاء قناديل عرسه، كان يوم الاتصال بأسرته هو الاثنين فطلب من والده أن لا يأتي يوم الأربعاء إلا وقد نصبت الخيمة، فيوم الأربعاء سيكون فيه "الحناء للعريس" وعده والده بأن يلبي كل رغباته، جاء يوم الثلاثاء استعد للرحيل والعودة إلى صنعاء تاركاً صعدة للهدنة المتفق عليها، حل مساء ذلك اليوم ووالده وأسرته وأصحابه ينتظرون قدوم ضيفهم العريس، فقد تأخر عن موعد وصوله، حاول الوالد أن يتصل بابنه على جهازه السيار إلا أنه كان مغلقاً حاول أن يتصل ببعض زملاء ابنه العريس فلم يستطع بسبب الحظر على التغطية لأجهزة الهاتف النقال، جاء الأربعاء وكل شيء قد أصبح جاهزاً لاستقبال الضيف العريس، فقد نصبت الخيمة وقناديل الزينة قد ملأت الحي إلا أن العريس لم يصل بعد، وفي وقت متأخر من النهار وصلت تلك السيارة التابعة للجيش، والتي كانت تقل العريس في كل مرة يعود فيها إلى صنعاء، لكن هذه المرة السيارة لا تقل عريساً، وإنما تقل شهيداً فقد تم رشقه بالرصاص من قبل الأعداء المتمردين هو واثنين من زملائه على بعد مائة متر من معسكرهم وبهذه العملية الإجرامية الجبانة حول الأعداء تلك الفرحة المنتظرة إلى حزن عميق للغاية فتحولت تلك الخيمة إلى مجلس عزاء استمر ثلاثة عشر يوماً.