المحامي/ أمين عبدالرقيب عبدالله
قد يستغرب القارئ الكريم من إطلاق التسمية المشار إليها أعلاه ويتساءل هل بالفعل يوجد قانون للإرهاب في الطريق إلى التطبيق في بلادنا؟ وهل التسمية أعلاه مبالغ فيها أم لا؟ وهل تم تحديد الأفعال التي تدخل تحت وصف الإرهاب تحديداً دقيقاً بحيث يسهل على الجميع العلم بها قبل أن يجد نفسه في قفص الاتهام؟ وهل سيتم توفير محاكمة عادلة لمن يتهم بجرائم تتعلق بالإرهاب؟ وهل سيتمكن المتهم من ممارسة حقه الدستوري في الدفاع عن نفسه أصالة أو بواسطة محامي؟ كل هذه التساؤلات وغيرها كثير يجد الشخص نفسه غارقاً في البحث عن إجابة مقنعة لها وجميعها تهم أبناء الوطن بجميع مستوياتهم كما تهم أيضاً الدولة كشخص اعتباري عام لها حقوق وعليها التزامات تجاه الدول الأخرى، بما في ذلك الالتزام بمكافحة الإرهاب بشتى صوره وإصدار قانون "للإرهاب" أو ما يسمى غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بادرة جيدة لإزالة الخطأ القائم على المستوى الدولي في إعطاء الإرهاب معنى محدداً حيث تحاول بعض الدول العظمى أن تجعل من الإرهاب وسيلة لابتزاز الدول النامية والفقيرة وفرض ما تشاء من الاتفاقيات والقوانين التي تستطيع من خلالها استبداد الشعوب ونهب مقدراتها تحت مسمى مكافحة الإرهاب وهذا ما يلمسه المواطن العربي أكثر من غيره حيث يطلق على أي دولة لا توافق على سياسة أميركا في العالم العربي بأنها دولة إرهابية وراعية للإرهاب دون أن يوجد تعريف واضح ودقيق للأفعال التي تدخل ضمن جرائم الإرهاب حتى يستطيع الفرد العادي تجنب تلك الأفعال، وما اعتقال الشيخ/ المؤيد ومرافقه إلا خير مثال على العشوائية في معاقبة الناس على أعمال لا علاقة لها بالإرهاب بل إن قواعد العدالة اقتضت عدم معاقبة الشخص عن جريمة لم يعلم أنها جريمة لأن في ذلك اخلال بمبدأ وجود العلم بالنص العقابي هذا المبدأ يفترض علم عموم مواطني الدولة بالقانون العقابي بعد نشر القانون في الجريدة الرسمية، وتطبيقاً لهذا المبدأ القانوني العام الموجود في معظم القوانين العقابية فإن معاقبة الشيخ المؤيد ومرافقه تفتقر إلى المشروعية جملة وتفصيلاً لأنهما عوقبا على أفعال لم يعلما أنها مجرمة وفقاً للقوانين العقابية المعمول بها في بلدهم، ولعل القارئ الكريم يتساءل عن علاقة موضوع المقال بموضوع الشيخ المؤيد ومرافقه وهنا أقول للقارئ الكريم أن العلاقة التي تربط موضوع الشيخ المؤيد ومرافقه المعتقلين في أميركا بدون ذنب منذ بضع سنوات بمشروع قانون غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب هو أن القانون الجديد المعروض على مجلس النواب يوفر الغطاء الشرعي والقانوني لمعاقبة أي مواطن يمني عن أفعال غير مجرمة في القوانين المحلية وإنما مفروضة بموجب اتفاقيات تفرضها الدول العظمى على بلدنا ويكون الضحية الأول والأخير هو المواطن المسكين الذي يصبح عرضة للعقاب على جرائم لا علم له بها وتصبح الدولة مسؤولة مدنياً عن التعويض عن الاضرار التي تلحق الغير جراء أي فعل يقوم به أحد مواطنيها ضد أي دولة أخرى ولو كان ذلك المواطن مقيم في دولة أخرى ولا تعلم عنه دولته شيئاً المهم أنه مواطن يمني حاصل على الجنسية فالدولة في هذه الحالة مسؤولة عن تعويض الضرر الناتج عن هذا المواطن في مواجهة جميع دول العالم ولو كان ذلك المواطن فاقداً للعقل وقت ارتكابه للفعل لأن الدولة تصبح بناءً على قانون الإرهاب المعروض على مجلس النواب حالياً متحملة للمسؤولية التقصيرية إذا لم تقم بوضع المواطن اليمني في السجن تنفيذاً للاتفاقيات الدولية سواء كانت تلك الاتفاقيات مطابقة للشريعة الإسلامية أو مخالفة لها وتصبح سيادة الدولة على الإقليم الوطني ملغية تماماً وتطبق بدلاً عن القانون الوطني الاتفاقيات الدولية ويعاقب المواطن اليمني بناءً على تلك الاتفاقيات بدلاً من القانون الوطني مما يلغي كلياً سيادة الدولة على إقليمها ويجعل من حق الدول الأخرى خطف أي مواطن يمني ومعاقبته في المكان الذي يناسبها ولا تستطيع الدولة المطالبة باستعادة ذلك المواطن لأن الاتفاقية الدولية تفرض على الدولة معاقبة ذلك المواطن وتقصير الدولة في عقاب مواطنها يعطي الحق لغيرها من الدول معاقبة أي مواطن يمني بدلاً عن الدولة التي ينتمي إليها وتصبح الدولة ملزمة بتسليم أي مواطن يمني إلى غيرها من الدول التي ترغب في معاقبته متى شاءت وكيفما تريد، هذا بالفعل ما سيتم إذا ما صادق مجلس النواب على مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب خصوصاً أن المادة (4) من المشروع جاء فيها ما لفظه "يعد مرتكب لجريمة تمويل الإرهاب كل من يرتكب أي فعل يشكل جريمة تندرج في نطاق إحدى الاتفاقيات أو المعاهدات ذات الصلة والتي تكون الجمهورية طرفاً فيها" وهذا النص الوارد في المشروع يدل بصريح النص على معاقبة أي مواطن يمني بناءً على اتفاقية سواء كانت الاتفاقية موافقة للشريعة الإسلامية أو مخالفة لها وسواء تم المصادقة على الاتفاقية من قبل المجلس التشريعي أم لا وسواء علم المواطن اليمني بمضمون الاتفاقية أم لا وسواء كانت الاتفاقية المتعلقة بالإرهاب قد وجدت في الوقت الحاضر أو أنها لا زالت في علم الغيب، فهل من العدل معاقبة الناس على جريمة لا يعلمون أنها جريمة من عدمه ليتجنبوها؟؟!!!!
وكيف يعاقب الناس بناءً على اتفاقية أو معاهدة لا زالت في علم الغيب ؟؟ وكيف يعاقب المواطن على جريمة غير منصوص عليها في القانون حسبما توجب ذلك المادة (47) من الدستور الدائم للجمهورية والتي جاء فيها ما لفظه "المسؤولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو قانوني...الخ" فكيف يستقيم النص الوارد في المادة (4) من مشروع قانون غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب مع هذا النص الدستوري ؟؟؟ هذه المخالفة الدستورية الواردة في المشروع ليست الوحيدة لأن المشروع تضمن من المخالفات الدستورية الكثير ومنها على سبيل المثال الآتي:-
1- المادة (4) من المشروع وقد أوضحنا بعاليه أوجه المخالفة للمادة (47) من الدستور.
2- المواد والعبارات الواردة في مشروع القانون بشأن نشاط المحاماة تعد مخالفة للمواد (151،49) من الدستور وذلك من عدة أوجه وهي:-
الوجه الأول: المعروف أن نشاط المحاماة من الأنشطة الاجتماعية المناقضة للعنف بشتى صوره وأنواعه إذ أن المحامي يسعى جاهداً لرفع الظلم عن أفراد المجتمع بواسطة القضاء ويشجع الناس على اتباع النهج السلمي لاستعادة حقوقهم شأنهم في ذلك شأن القضاة ومنهم جميعاً تتكون السلطة القضائية حسبما نصت عليه المادة (151) من الدستور. فكيف يتم وضع إحدى ركائز السلطة القضائية ضمن المؤسسات الممولة للإرهاب ؟؟؟ بل إن في ذلك مساساً بالسلطة القضائية باعتبار المحاماة جزءاً منها حسب نص الدستور، ومن غير اللائق عقلاً ومنطقاً شرعاً وقانوناً اقحام المؤسسة العدلية في البلاد في مثل هذا القانون الذي يتناقض معها في الاسم والوصف والمعنى والهدف.
الوجه الثاني: إدراج نشط المحاماة في هذا المشروع يعطل النص الدستوري الوارد في المادة (49) من الدستور الذي كفله للمواطن اليمني في الدفاع عن نفسه بواسطة محامي وذلك لأن اقحام نشاط المحاماة ضمن هذا القانون يجعل المحامي عرضه للعقاب إذا ما تولى الدفاع عن مواطن يمني أو مؤسسة ينسب إليها تهمة تتعلق بالإرهاب وذلك خشية أن يجد نفسه في قفص الاتهام لتقصيره في عدم الإبلاغ عن موكله والتحري عن مصدر أمواله، وسيكون خوف المحامي على نفسه مانع عن القيام بواجبه في الدفاع عن الآخرين وهو ما يترتب عليه تعطيل النص الدستوري سالف الذكر.
هذه بعض المخالفات الدستورية الواردة في المشروع "الكارثة" حسبما وصفه الزملاء في عريضة ملاحظاتهم الموجهة إلى مجلس النواب، وفي اعتقادي أن وصف ذلك المشروع بالكارثة وصف خفيف جداً إذا ما أدركنا خطورة ما تضمنه ذلك المشروع على الدولة أولاً وعلى عموم المواطنين ثانياً ولن يسلم من ويلات ذلك المشروع إذا ما أقر من المجلس التشريعي لن يسلم منه أعضاء المجلس التشريعي انفسهم لأن ذلك المشروع لا يستثني أحداً خصوصاً وأنه بدء بالمحاماة التي هي إحدى ركائز السلطة القضائية. وفي الختام أدعوا الله أن يوفق كل الخيرين في هذا الوطن إلى إدراك خطورة هذا المشروع ورفض كل ما تضمنه من أحكام مخالفة للشريعة الإسلامية والدستور النافذ ومبادئ العدالة لأن في اقرار هذا المشروع تمويلاً فكرياً للإرهاب أكثر من مكافحة تمويل الإرهاب مادياً لأن إطلاق وصف الإرهاب على المحامين الذين هم حماة القانون فيه تحفيز للآخرين على عدم الانصياع للقانون وفقدان الثقة في قدرة القانون على انصافهم من بعضهم البعض.