سعيد محمد سالمين
لك الله أيها الإنسان في عصرنا الحاضر، فلقد أعطتك المدنية كل أسباب النعيم وهيأت لك التكنولوجيا الحديثة ما لم يخطر لك على بال، ثم أنها مع هذا العطاء تسلبك أشياء تعتز بها وتتمنى عدم زوالها، ولكنها سنة الحياة: نعيم وحرمان، شفاء وحاجة، يسر وعسر.
وتحضرني قصة الحطاب الذي كان يسكن بجوار "قصر الغني" يبيع ما يحتطب، قانعاً هو وعائلته بما رزقه الله، يغني أول الليل وسرعان ما يداعب الكرى جفنية فيذهب في سبات عميق، ويحسده جاره الغني الذي يشكو من الأرق والسهر، ولا تجد سبباً ظاهراً لسعادة الحطاب، فيهديه تفكيره إلى أن يعطيه مبلغاً كبيراً من المال، وينظر ماذا يصنع، فإذا الغناء يصير أنات، وإذا الجفون يهجرها النوم، وإذا الحال يتبدل والأفكار تتكاثر أين يضع المال؟ وأين ينفقه، وماذا يصنع لو هاجمه لص.
إلى ذلك من الهواجس، سلبته النقود السعادة التي كان يعيشها فيها، والصحة التي كان يتمتع بها، وهداه تفكيره إلى أن يرد المال إلى صاحبه، ويعود إلى سيرته الأولى لتعود إليه سعادته.
تلك حال الإنسان في هذا الزمان، ولكنه لا يمكنه أن يرد ما أعطي، فهو في نهم زائل، واستكثار من الرخاء والمال، لعله بذلك يجد الوسيلة إلى السعادة والهناء وهيهات أن يبلغ ما يتمنى وهذا هو ما نسميه بالتوتر العصبي.
ويعاني الشخص من التوتر العصبي إذا كان تفاعله للتغيرات التي تصادفه في حياته تفاعله يؤثر على أجهزة جسمه المختلفة، ويستمر هذا التفاعل فترة طويلة، وذلك لأن هذا الشخص يذكي هذا التفاعل في نفسه، ويزيد من حدته، فيجعل منه أداة دائمة ومؤثرة على أجهزة الجسم المختلفة، والإنسان بتكوينه الوظائفي يتفاعل مع الأحداث سواءً منها الحسية أو المعنوية ولكن تفاعله يكون لفترة ويرجع بعدها لحالته الطبيعية.
ونحن لا يمكننا أن نتصور أن نعيد العالم إلى الوراء، حتى نطمس أو نزيل ما به من معالم حضارية، وأسباب جعلت الإنسان يتسابق مع الزمن، ويهادنه مرة، ويثور مرات فيتناحر على غلبته، فتسوء حالته.
من ذلك برى ننه لابد وأن يغير الإنسان من نفسه فيتكيف حسب الأوضاع التي تحيط به، ولا يجعل من صغائر الأمور ما يزيد من صراعاته ويؤثر على أعصابه، ويسأل نفسه دائماً ما فائدة تعقيد الأمور؟ هل تحل المشاكل؟ هل تزيل الصعاب؟ وما هو السبيل للخلاص مما يعكر الصفو، ويؤثر على النفس؟ وليعرف دائماً وبقوة إيمانه أنه "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، ومن هنا يبدأ التفكير السليم في هدوء وأناة. ولا بد أن يهديه تفكيره الهادئ إلى مخرج من مأزقه، وبالتالي يحدث استرخاء في أعصابه، وطمأنينة في نفسه.
والملاحظ عن الإنجليز أنهم باردو الأعصاب، هادئو المزاج، قليلو الانفعال، ولعل أهم سبب لذلك هو طريقة حياتهم فحياتهم قائمة على النظام واحترام الأفراد بعضهم بعضاً. والعمل بحرية دون التعرض لحرية الآخرين، فالكل يتبع قضاء حاجياته وهو في صف واحد تلو الآخر، حتى الأطفال الصغار يتعودون من صغرهم على عدم التحدي أو الخروج من هذا الصف فالكل ينتظر دوره دون ملل.