سعيد محمد سالمين
أثبتت الحقيقة أن لا فائدة من أي مفاوضة دولية مع الكيان الصهيوني والعرب في موقف الضعف والاستضعاف، إضافة إلى أن خلافاتهم تتسع فجوتها يوماً بعد يوم، فيحاول العدو الصهيوني استغلالها لصالحه بطريقة أو بأخرى للتغلب علينا.
فمؤتمر "أنا بوليس" الذي ذهب إليه ممثلو العرب ووفد منظمة السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن بناءً على دعوة رئيس الإدارة الأميركية السيد "بوش الابن" للجلوس مع وفد الكيان الصهيوني على طاولة المفاوضات الدولية للخروج بتصور عملي وصادق للتأكيد على إقامة دولة فلسطينية كحق مشروع للشعب الفلسطيني، وحسب ما وعد به السيد بوش خلال فترة ولايته المتبقية للإدارة الأميركية، نفاجأ أن تلك الوعود لم تكن إلا بخاراً في الهواء، لأن التفاوض جاء في ظروف قاسية، ومناخ سياسي لا يخدم القضية الفلسطينية، ولا يعزم من قدومها على المفاوضة، وذلك نتيجة للخلافات السياسية الفلسطينية في المقام الأول، والتي لم تحسم حتى اللحظة، حيث انشق البيت الفلسطيني - صاحب الحق الأول- إلى قسمين متناقضين، فاستفاد العدو من هذه الثغرة القائمة لمصلحته، وهذا ما جعل بوش الابن يتخلى عن وعوده السابقة في ضرورة قيام دولة فلسطينية هذا العام تتجاور بسلام مع الكيان الصهيوني، ويحضر ذكرى النكبة الفلسطينية في إسرائيل للاحتفال بتأسيس الدولة الإسرائيلية التي مضى عليها ستون عاماً، فكانت رسالة مؤلمة ومهينة للكرامة العربية والحق الفلسطيني، مؤكداً أنه لا يمكن النظر في قيام الدولة الفلسطينية إلا بعد انقضاء ستين عاماً أخرى.
إننا نتناسى أن المفاوض في أي مؤتمر دولي، مهما أوتي من براعة في سرده للكلام، وبلاغة وفصاحة في الخطابة لا يمكنه أن ينال ما يريد في المؤتمر وحده، والمعدل الأساسي في المؤتمرات هو ما وراء المفاوض من قوة والقوة تتضمن عناصر متعددة منها: "القوة الروحية، وقوة الإرادة، والنضال، والقوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، وقوة الأصدقاء، أو الحلفاء من دول أخرى"، بعبارة ثانية إن الذي يتكلم في المؤتمرات هو ما وراء المفاوض من قوة تستطيع أن تنال، مالا يستطع المفاوض نيله بالمفاوضة.
ولهذا أضاع العرب فلسطين المحتلة في 1948م عندما كانوا يقاومون التقسيم، وإيجاد دولة إسرائيل بقوانين الأمم المتحدة غير المشروع، لأنهم اعتمدوا في موقفهم على البلاغة والفصاحة وإدلاء الحجج القانونية في أكبر مؤتمر دولي فيه يتقرر فيه مصير بلاد وشعب، كما أن الأوضاع والظروف السياسية لم تكن مواتية لهم، لأن معظم الدول العربية كانت ترزح تحت حكم "أجنبي" فلم يفدهم ذلك كله شيئاً، لأن النار لا تحرق إلا رجل واطيها، فمتى نستفيد من دروس التاريخ، ومعرفة أصول المفاوضات الدولية التي لا تعترف إلا بالقوة حتى تجعل كلمتك مسموعة في المؤتمرات الدولية، وحتى تنال مطالبك دون استعمال القوة، لأن القوة القادرة جاهزة ومستعدة وراء المفاوض.