سعيد محمد سالمين
مع بروز ملامح العولمة التي لا تزال آخذة بالتبلور انتشرت معها ثقافة جديدة أثرت في شعوب الكثير من العالم إنها الثقافة الاستهلاكية فالثقافة الاستهلاكية ليست ثقافة تحمل مظاهر ثقافات الشعوب من قيم واعتقادات وفنون بل تعني بالدرجة الأولى بالجوانب الغريزية بالإنسان وبالمظاهر والكماليات الشكلية التي تحدد قيمة الإنسان بمقدار ما يقتنيه من أشياء مادية أو مال وحولت جميع مظاهر الثقافة وأبرزها الفنون إلى سلعة تجارية فهي ليست أيديولجياً أو فكراً له رؤية في للحياة وقيم واعتقادات روحية يتوحد عليها الناس.
والاستهلاك كما هو معروف جزء أساسي من حياة الأفراد في أي بقعة كانت في العالم، فإشباع الحاجات الضرورية للإنسان يقف كأبرز أولويات متطلبات الحياة منذ التجمعات البشرية الأولى وإلى اليوم، ولكن الشيء المميز في المراحل التي مر بها الإنسان منذ القدم أن تلازم إشباع هذه الحاجيات مع ثقافة كان لها قيمها ومظاهرها الروحية أو الفكرية والتي ميزت شعوباً عن أخرى.
أما اليوم فنحن أمام ثقافة استهلاكية جديدة مصدرها الولايات المتحدة الأميركية وهي نتاج لمجتمع جديد توافدت إليه جاليات من مختلف دول العالم تمثل ثقافات وهويات مختلفة منذ بدأ يتكون بشكله المؤسسي لفترة تقارب ثلاثة قرون.
وكبديل لذلك وجد الأمر تكوين أنفسهم أمام السلوك العملي كمخرج للتغلب على هذه التعددية العرقية والثقافية وبهذه الطريقة يمكن على الصعيد العملي إذابة الفروقات والاعتقادات وبناء مجتمع يقدس العمل ويقدمه على أي أمر آخر، فجاءت الفلسفة البراجماتية إنعكاساً واضحاً لما سبق ذكره والقائمة على أساس العمل بمعنى أن صحة أي فكرة أو فرض أو اعتقاد معين يتحقق من خلال السلوك العملي فإذا أمكن تحقيقه عملياً في الواقع كان هذا الاعتقاد صحيحاً وإذا لم يتحقق فهو باطل.
ولهذا نجد أن الثقافة الاستهلاكية قد أخذت في الانتشار في مختلف أقطار العالم عبر وسائل الاتصالات المتطورة وشبكة الإنترنت والشركات الأميركية المتعددة الجنسية التي تحرص على تسويق مصنوعاتها وتحويل هذه الدول إلى أسواق تنشر من خلالها القيم الثقافية التجارية والاستهلاكية.
لقد استشرت ثقافة الاستهلاك في مجتمعاتنا العربية، ومما ساعد على تفشي هذه النزعة الاستهلاكية هو انتشار نظام البيع بالآجل أو بالتقسيط ونزعة التقليد والمحاكاة والنزعة الاستهلاكية هي في الواقع الحالي نزعة رأسمالية تشجع على الشراء من أجل أن تكثر من الإنتاج وبالتالي من الأرباح، ولهذا نلمس اليوم أن الأغنياء يثرون ثراء فاحشاً ويسرفون في الشراء والاستهلاك بينما نجد بالمقابل أن هناك ملايين من الفقراء يعز عليهم توفير لقمة الخبز فقط والذين ينامون في العراء وهم جوعى.
أليس من حقنا نحن العرب إجراء دراسة حول الثقافة الاستهلاكية من مختلف جوانبها فالسباق الحضاري يشهد منافسة ضارية ونحن لا نزال نعيش على الهامش، نتخم أنفسنا بما ينتج "الآخر" حيث لا نضيف من إبداعاتنا للعالم المعاصر حتى أصبحنا نستورد كل شيء من الغذاء إلى السلاح وغرقنا في جنون الاستهلاك بلا حساب وتهاونت أنظمتنا العربية الحاكمة بالتخطيط للمستقبل فأصبحنا في نهاية السلم الحضاري.