أقام المركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجيات المستقبل "منارات" مساء أمس محاضرة للأستاذ الدكتور/ حمود صالح العودي تناولت قضايا الأمة العربية والإسلامية بين هزائم السياسة وانتصار المقاومة.
وفي المحاضرة التي حضرها نخبة من الأدباء والمفكرين وعدد من الأخوان العرب تناول العودي قضية فلسطين وهزائم السياسة العربية مقابل انتصارات العدو الإسرائيلي محلقاً على لبنان والعراق واختتم حديثه عن الصومال.
وبعد المحاضرة عقب الأستاذ/ حاتم أبو حاتم على ورقة العودي، مشيداً بها ومعترضاً على تسمية إسرائيل بكلمة إسرائيل، مطالباً بتغيير المصطلح إلى الكيان الصهيوني.
"أخبار اليوم" تتناول المحاضرة عبر حلقات تبدأها اليوم بقضية فلسطين وتداعياتها.
تغطية/ إياد البحيري
خلفيات القضية الفلسطينية:
نستطيع القول من منطلق الافتراض العلمي على الأقل بأن انتفاضة الشعب الفلسطيني بدءاً بأطفال الحجارة وصولاً إلى صواريخ القسام وكذا المقاومة اللبنانية بدءاً من تحرير الأرض عام 2000م وصولاً إلى الانتصار الحاسم على عدوان الدولة الصهيونية عام 2006م، هي المواجهات العسكرية الحقيقية الأولى بين العرب وإسرائيل، وهذا يعني - إن صحت مثل هذه الفرضية - أن كل المواجهات والحروب العسكرية الرسمية السابقة مع الصهاينة بدءاً من حرب 1948م مروراً ب1956م و 1967م، وحتى 1973م، هي حروب غير حقيقية، أو مواجهات غير حقيقية على الأصح، ما يعني أننا أمام فرضية أخرى هي خلو تلك الحروب والمواجهات من المضمون الحقيقي لمعنى المواجهة، وهذا يعني - إن صحت مثل هذه الفرضية - أن تلك الحروب والمواجهات قد كانت أشبه ما تكون بالمسرحية والأفلام التراجيدية أو الأحداث الدراماتيكية التي قصد منها إبراز دولة الاحتلال الصهيوني باعتبارها القوة التي لا تقهر ولا تقاوم وإقناع الأمة بذلك من قبل حكامها قبل أعدائها أرادوا ذلك أم لم يريدوه، وكل ذلك هو ما نعرض له بالتفنيد والتحليل المعمق في محاولة لإثبات مدى صحة الفرضيات السابقة من عدمه ومن خلال البنود الآتية في هذه الدراسة.
أولاً: الأبعاد السياسية والاجتماعية لهزائم السياسة العربية وانتصارات العدو الإسرائيلي
نحن لا نحتاج إلى أدلة إثبات حقيقة أن كل تلك الحروب والمواجهات كانت حروب ومواجهات غير حقيقة أو مجرد مسرحيات مفتوحة أبطالها وضحاياها حقيقيون من السواد الأعظم من الناس الطيبين، أما كتابها ومخرجيها من الساسة المتاجرين والقادة الخونة أو المستهترين في أحسن الأحوال فممثلون بارعون، وأن ما نحتاج إليه هنا هو مجرد التذكير بمثل هذه الوقائع والأدلة المتعارف عليها من خلال الأتي:
1 - وعد بلفور بإعطاء من لا يملك لمن لا يستحق:
لسنا بحاجة إلى استعادة تفاصيل شريط نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948م التي أريد من خلالها حل عقدة ذنب الكراهية والتعذيب والقتل الجماعي لليهود في أوربا النازية باللجوء إلى حل هذه العقدة بنكبة شعب أخر هو الشعب الفلسطيني وتشريده من أرضه من خلال وعد بلفور وحتى قيام الدولة العبرية وفشل المواجهة السياسية والعسكرية الرسمية عام 1948م، حيث لم يكن ذلك الوعد المشئوم بإعطاء من لا يملك لمن لا يستحق هدفاً بحد ذاته لحل عقدة ذنب بعقدة أعقد بقدر ما أنه مجرد حلقة جديدة من صراع تاريخي وحضاري طويل بين الغرب المعتدى والشرق المقاوم الصراع الذي لم تكن الحروب الصليبية أوله ولا وعد بلفور بالأمس وسقوط بغداد عاصمة الرشيد اليوم هو أخره.
وما يعنينا أكثر في هذه الدراسة هو التركيز على مسار إدارة الصراع العربي الإسرائيلي من منطلق تقرير حقيقة فشل وتراجع خط المواجهات السياسية والعسكرية الرسمية العربية مقابل فاعلية وتقدم خط المقاومات الشعبية سياسياً وعسكرياً.
فإذا ما بدأنا بالإشارة إلى الفشل المميت للمواجهة السياسية والعسكرية الرسمية عام 1948م على نحو ما سبق إيضاحه في البند السابق وما هو معروف ولا يحتاج لمزيد من التعريف فإن ما تلا تلك النكبة وعلى مدى ما يقرب من عشرين عاماً من عام 1948م وحتى عام 1965م عام انطلاقة حركة فتح المقاومة لا نستطيع أن نتذكر من وقائع الصراع على مدى ما يقرب من عقدين من الزمن شيء يذكر أكثر من السجل الحافل بالشجب والرفض والاستنكار، وهذا هو الخط الرسمي، أما ما بقي محفوراً في ذاكرة كل فلسطيني وكل عربي ومسلم وحياً على الأرض حتى اليوم فهي ثورة المقاومة الشعبية بقيادة عزالدين القسام التي بدأت ولم تمت أو تنسى حتى اليوم بل صارت صواريخ فلسطينية الصنع واللحم والدم في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
2 - مانح وعد بلفور هو قائد جيوش التحرير العربية عام 1948م
يكفي أن نذكر نحن حرب النكبة الأولى عام 1948م بأن الجيوش العربية والمقاتلين العرب قد زودوا بأسلحة ومعدات عسكرية فاسدة، وأن قائدهم هو الجنرال البريطاني جلوب باشا، وحكومته هي من أعطى وعد بلفور لليهود بالاستيطان في فلسطين، أما الزعيم السياسي والروحي الأعلى لجيوش العرب فهو الملك عبدالله حفيد آل البيت وزعيم الثورة العربية الكبرى كما يسمونها، والذي كان طبقاً لمذكرات هيكل المتلفزة أخيراً يدير معاركه الوهمية مع اليهود من جهة ويعطي كل أمواله ومدخراته للوكالة اليهودية لاستثمارها له من جهة أخرى؟ بل ولقد قاتل مع غيره من ساسة العرب ضد بقايا الخلافة العثمانية، من أجل الحلفاء تحت وهم أن يمنحوهم سلطة الدولة العربية الكبرى، فكانت النتيجة العكسية هي اتفاقية سايكس بيكو التي مزقت الوطن العربي ووعد بلفور الذي سلم فلسطين للصهاينة.
3 - من هزيمة القوة الصهيونية والاستعمار في عدوان 1956 إلى انتصارهم بالتآمر عام 1961م
وما أن بدأت الأمة تستفيق من صدمتها وتستعيد ذاكرتها الوطنية والقومية بثورة عبدالناصر في 23 يوليو 1952م وامتداداتها القوية في سوريا والعراق والتحريرية في الجزائر وغيرها من أقطار الوطن العربي حتى صوب التحالف الصهيوني الاستعماري ضربته العسكرية القاسية لمصر عبدالناصر فيما يعرف بالعدوان الثلاثي لإسرائيل وفرسنا وبريطانيا عما 1956م على أثر تأميم قناة السويس كجزء من عمليات استرداد الحقوق الوطنية والقومية لمصر والأمة العربية والإسلامية، وما إن تم التصدي لهذا العدوان وهزيمته بفضل صمود الشعب المصري وقيادته والأمة العربية والتحالف الدولي مع الإتحاد السوفيتي حتى لجأ التحالف الصهيوني الاستعماري إلى التآمر على إسقاط أول مشروع قومي وحدوي حديث بين مصر وسوريا عام 1961م وتمكن ذلك التحالف من أن يحقق بالتآمر ما عجز عن تحقيقه بالعدوان، غير أن الأمة التي أصيبت بسقوط أول مشروع وحدوي في تاريخها الحديث لم تقبل بعد أو تسلم بانكسار مدها الوطني والقومي فانتصرت الثورة الجزائرية عام. . . . . . . . وقامت ثورة اليمن عام 1962م واستكمل تحرر كل الأقطار العربية في الخليج وشمال و شرق أفريقيا من الهيمنة الاستعمارية والأنظمة التابعة لها.
4 - حرب 1967م بين الخيانة والاستهتار
وفي العام 1967م جاءت المواجهة أو الحرب الثالثة مع التحالف الصهيوني الاستعماري والذي جمع هذه المرة بين المؤامرة السياسية والمعركة العسكرية، حيث كانت قد اخترقت كل حلقات البنية السياسية والعسكرية لا لدولة المخابرات المصرية فحسب بل ولكل الأنظمة العربية المحيطة بإسرائيل، وصارت بعض رؤوس هذه الأنظمة السياسية في أحسن الأحوال كنظام عبدالناصر في وادي ومراكز القوى واتخاذ القرار المخترقة إسرائيلياً وأوربياً وأمريكياً في وادي أخر، في حين كان البعض الأخر من هذه الأنظمة يعيش في قلب المؤامرة مع إسرائيل كنظام الملك حسين في الأردن(1)، بحيث لم تأت المعركة العسكرية إلا كمجرد مسرحية كل معديها ومخططيها ومخرجيها ممثلون جيدون، أما كل أبطالها وضحاياها فجنود ومواطنون حقيقيون، بدءاً من هزيمة جيوش ثلاث دول عربية وقتل أكثر من ثلاثين ألف جندي منهم، واحتلال أكثر من ثلاثمائة ألف كيلومتر من الأرض والبشر، في ثلاثة أيام وهي مساحة أكبر من خمسة أضعاف مساحة فلسطين المحتلة قبل ذلك، ولم يتبق أمام الدمار والاحتلال الإسرائيلي أي عوائق أو حدود يمكنه التوقف عندها إلا حدود عدم قدرته البشرية على استيعاب الأرض والبشر من وطن العرب وسكانه لينتهي المشهد الأخير من المسرحية بتحقيق أهداف رئيسية هي:
أ. كسر شوكة المد الوطني والقومي العربي المتنامي ورمزه الأول عبدالناصر مصر.
ب. إبراز دولة إسرائيل وقوتها العسكرية باعتبارها القوة التي لا تقهر والتي يقف من ورائها أقوى القوى الدولية في العالم في أوربا وأمريكا.
ت. إقناع الأمة العربية الإسلامية بالقبول بالأمر الواقع المتعلق بالاعتراف بإسرائيل والتعامل معها كأقوى قوة عسكرية وسياسية واقتصادية في المنطقة.
5 - حرب 1973م وهزيمة المنتصر
ولأن المؤامرات يمكن أن تنجح والجيوش أن تنهزم والأرض أن تحتل والأنظمة أن تسقط والأشخاص والرموز أن يموتوا أو يقتلوا في هكذا صراعات ومعارك وحروب، إلا أن الذي غاب عن كل المؤلفين والمنتجين والمخرجين لمسرحية حرب 1967م هو أن الأمم والشعوب غير قابلة للذوبان تحت وطأة المؤامرات الداخلية والخارجية أو هزائم الحروب مهما بلغت قسوتها ومراراتها، فكما أن مسرحية حرب 1948م ونكبتها الأولى قد استنفرت ضمير الأمة وأيقضت جذوة روحها الوطنية والقومية والتحررية على نحو ما سبقت الإشارة، فإن نكسة 1967م وإن كانت قد نالت من تلك الروح الوطنية والقومية ما لم ينله غيرها إلا أنها قد حركت بعداً أخر لا يقل أهمية عن البعد الوطني والقومي التحرري، إن لم يكن أكثر أهمية وحسماً في سياق الصراع العربي الإسرائيلي والنضال الوطني بصفة عامة، وهو البعد الديني الإسلامي الذي تفجرت معالمه في كل مكان بدءاً من حماس في فلسطين وأمل وحزب الله في لبنان والجهاد في مصر وجبهة الإنقاذ في الجزائر وحتى طالبان والقاعدة بخيرها وشرها في أفغانستان والعالم، بل وقبل كل ذلك وبعده حركة الأخوان المسلمين على امتداد الوطن العربي، ليس ضد اليهود وإسرائيل ومن يقف ورائهما من قوى الاستعمار والاستكبار فحسب بل وضد الأنظمة السياسية المتواطئة معهم، يضاف إلى ذلك أن كل ما كانت إسرائيل قد استولت عليه من الأرض والبشر قد مثل بالنسبة لها عبئاً يتجاوز حدود طاقاتها الجغرافية والديمغرافية أكثر مما يشكله من خسارة على أصحاب الأرض، أنظمة وشعوباً على السواء، وكانت حاجتها لإزالة عبء هذه الأرض والبشر ربما أكثر إلحاحاً من حاجة أصحابها لتحريرها من الحكام العرب.