;

محاضرة في المركز اليمني للدراسات التاريخية "منارات" .. الدولة الرسولية والعلماء الملوك في اليمن .. الحلقة الأولى 2603

2008-06-25 12:02:16

بحضور وزير المياه عبدالرحمن الإرياني وعدد كبير من المثقفين والباحثين أقام المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل "منارات" مساء أمس محاضرة للدكتور/ محمد علي العروسي بعنوان "العلماء الملوك في اليمن في عصر الدولة الرسولية".

وقد تحدث في المحاضرة الدكتور العروسي عن بدايات الدولة الرسولية وملوك هذه الدولة التي دام حكمها في اليمن مائتين وتسعة وعشرين سنة، وتعاقب عليها أربعة عشر ملكاً من هذه الدولة أولهم الملك المنصور عمر بن علي بن رسول وآخرهم المسعود صلاح الدين بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن رسول، ولأهمية المحاضرة والتي تعيد الذاكرة إلى تاريخ اليمن العريق تنشر "أخبار اليوم" المحاضرة كاملة في حلقات تبدأها اليوم بمقدمة عن الدولة الرسولية وبعض ملوكها:

تغطية/ إياد البحيري

عرفت اليمن في العصر الرسولي (626- 858ه/1229-1454م) نهضة علمية وثقافية واستقراراً اقتصادياً وسياسياًً، وتطوراً في الزراعة والصناعة، وشهدت مدن اليمن المختلفة توسعاً وتطوراً في العمران والبناء غير مسبوق1، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الملوك الرسوليين كانوا علماء، اجتهدوا في طلب العلم وجَدّوا في اكتساب المعارف حتى بلغوا درجات جهابذة العلماء ومكانتهم العظيمة، فصنفوا المؤلفات الجليلة النافعة المفيدة في مجالات وفروع العلوم المختلفة، وكرموا العلماء من عامة الناس وأنزلوهم في المكانة التي تليق بحالهم، وكافؤوهم على مصنفاتهم، واستضافوا الكثير من العلماء المشهورين واستقدموهم من مختلف أقطار العالم الإسلامي، ورغبوهم وحببوا إليهم البقاء والعيش في اليمن بغية الاستفادة والاستزادة من علومهم. انتشرت في عصر هؤلاء العلماء الملوك مجالس العلم والأدب، وظهرت وانتشرت مئات المنشآت التعليمية المختلفة من مدارس وأربطة علم وخانقات وغيرها، ودُرست العلوم المختلفة فيها، وزخرت الجوامع والمساجد بحلقات الدرس، وتحولت منازل بعض الفقهاء إلى مدارس علم، وتعلم الملك والغني والأمير والفقير واليتيم.

حرص العلماء الملوك من بني رسول على تعيين مستشاريهم من العلماء، وولوهم أهم وأعلى المناصب والوظائف، ومنحوهم كامل الحرية الفكرية: يكتبون ويقولون أراءهم بصدق وأمانة دون خوف أو تردد، وكان إذا وجه عالم نصيحة أو نقدا أو مقترحاً يصحح مسارا أو يفيد الناس تقبله الملك وعمل به وقدر صاحبه وقربه منه.

كانت أولى وأهم خطوات ملوك الدولة الرسولية لنشر العلم هي القيام بإنشاء وعمارة مدارس للعلوم الإسلامية في العديد من المدن والمناطق اليمنية، وقد أنشأ مؤسس الدولة الرسولية وأول ملوكها المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول (626-647ه/1229- 1249م) ثمان مدارس هي: مدرسة للفقه في مكة المكرمة، ومدرستان في مدينة تعز، وثلاث مدارس في مدينة زبيد، ومدرسة في مدينة عدن، وأخرى في حد المنسكية بوادي سهام في محافظة الحديدة، وعمل الملوك الرسوليون الذين توارثوا الحكم من بعد الملك "المنصور عمر" على نشر العلم والمعارف من خلال قيامهم ببناء المدارس والجوامع والخانقات والأربطة وحرصوا على تجديد وترميم وإصلاح هذه المنشآت التعليمية. حذا بعض الأمراء من بني رسول حذو ملوكهم في بناء وعمارة مدارس العلوم الإسلامية فشيدوا أكثر من خمس عشرة مدرسة؛ وشاركت الأميرات الرسوليات في الحياة السياسية والدينية والعلمية والثقافية، وكان لها دور بارز في نشر العلم والثقافة في اليمن في العصر الرسولي، حيث قامت الكثير من الأميرات بإنشاء العشرات من مدارس العلوم الإسلامية والمساجد، وقد بلغ عدد المدارس التي أنشأتها الأميرات الرسوليات أربعة وثلاثون مدرسة ؛ وأوقفوا على تلك المدارس أوقافاً جليلة مكنت غالبية هذه المدارس من الاستمرار في أداء وظيفتها حتى يومنا هذا، كما ساهم الكثير من العلماء والقضاة والفقهاء والتجار في العصر الرسولي في بناء الكثير من المدارس وربط العلم. وبشكل عام فقد بنيت مدارس العلوم الإسلامية في العصر الرسولي في عدد من المدن والقرى اليمنية، وعلى وجه الخصوص في بعض قرى ومدن تهامة في محافظة الحديدة وفي محافظات تعز وإب وعدن ؛ ويبلغ عدد المدارس التي أنشئت في مدينة زبيد أكثر من خمسين مدرسة، وبُنيت في مدينة تعز وضواحيها حوالي ثلاثين مدرسة، وبنيت في محافظة إب أكثر من أربعين مدرسة منها عشر مدارس في مدينة إب وتسع مدارس في مدينة ذي جبلة، بالإضافة إلى عدد كبير من مدارس العلوم الإسلامية التي بنيت في العصر الرسولي في أماكن مختلفة من اليمن، وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة.

والحقيقة أن حرص الملوك والأميرات والأمراء الرسوليين على نشر العلم وبناء المنشآت التعليمية والاهتمام بالعلماء والمدرسين وطلبة العلم والإنفاق عليهم بسخاء يعد واحدا من أبرز مظاهر مشاركتهم الرائدة في تطوير الحياة العلمية والثقافية في اليمن في عهدهم.

كان الاشتغال بالعلم والمعرفة في العصر الرسولي أهم الخيارات وأفضلها على الإطلاق، وكان ملوك الدولة الرسولية علماء، وبفضل العلم وهؤلاء العلماء الملوك صارت اليمن واحدة من أقوى دول الشرق في العصور الوسطى، بل إن اليمن تميزت، عن غيرها من شعوب العالم الإسلامي في تلك الفترة، بأنها صنعت نموذجا علمياً وثقافيا عربياً إسلاميا عظيما، قام على أساس وجود توازن سياسي بل وشراكة سياسية بين أولئك العلماء الملوك وعامة الشعب، وجعلوا من طلب العلم ونشره سلوكا وثقافة شكلت جزءا هاما من حياة الحكام والمحكومين. من المؤكد بأن اشتغال هؤلاء العلماء الملوك بالعلم لم يؤثر على أدائهم في الحكم بل كان من أهم عوامل نجاحهم في حكم البلاد وحمايتها وتطويرها وبنائها ؛ كانوا قريبين من الرعية يعالجون قضاياهم ويخففون معاناتهم، وإن ضاقت أحوالهم بسبب الجفاف أو القحط أو التهم الجراد محاصيلهم أمدهم ملوكهم بالمساعدات المادية والعينية التي تعينهم وأعفوهم من الرسوم التي كانوا يدفعونها للدولة، وإن شكا أحد الرعية إليهم والياً أو عاملاً من عمالهم عزلوه.

من الأهمية بمكان دراسة تاريخنا بهدف معرفة الفترات المضيئة والمشرقة منه والإنجازات التاريخية والحضارية العظيمة التي حققها أسلافنا، ودراسة تاريخ علمائنا الذين نبغوا في مجالات العلوم المختلفة في مختلف العصور، وتحقيق مصنفاتهم ودراستها بجدية وبطرق علمية ومنهجية حديثة، دراسة صحيحة والاستفادة منها للحفاظ على وحدة ثوابت هويتنا الثقافية الوطنية اليمنية وحمايتها وجعل العلم والتقنية والمعرفة والتكنولوجيا خيارنا لتطوير حاضر مجتمعنا اليمني وبناء مستقبل مزدهر تنعم به أجيالنا القادمة.

قبل الدخول في موضوع البحث لابد من إعطاء نبذة موجزة عن ملوك الدولة الرسولية وفترات حكمهم وأهم صفاتهم وآثارهم. فقد حكم اليمن في عصر الدولة الرسولية الذي دام مائتين وتسع وعشرين سنة أربعة عشر ملكاً: أولهم الملك المنصور عمر بن علي بن رسول وآخرهم المسعود صلاح الدين بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن العباس بن علي بن داوود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول.

الملك المنصور عمر بن علي بن رسول

الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول هو مؤسس الدولة الرسولية وأول ملوكها. كان الملك المنصور عمر بن علي بن رسول نائبا للملك المسعود يوسف بن الملك الكامل آخر ملوك الدولة الأيوبية على اليمن، وبعد مرور سنة على وفاة الملك المسعود (سنة 625ه/1228م)، استقل الملك المنصور عمر بحكم اليمن معلنا بذلك نهاية الحكم الأيوبي لليمن وقيام الدولة الرسولية سنة 626ه/1229م. كان المنصور ملكاً شجاعاً حازماً وسياسياً حكيماً، تمكن من بسط نفوذه على سائر اليمن والحجاز وحكمهما، وأخرج الأمراء والعساكر المصريين من مكة المكرمة وكافة بلاد الحجاز، فعاد بعضهم إلى مصر ودخل البعض الآخر في طاعته. استمر الملك المنصور في الحكم حتى تاريخ مقتله، في قصره بمدينة الجند على يد بعضٍ من جنوده المماليك، سنة 647ه/1249م.

آثار الملك المنصور عمر

كان الملك المنصور عمر بن علي بن رسول يحب العلم ويقدر العلماء ويجلهم ويكرمهم، وقد أنشأ ثمان مدارس لتدريس العلوم الإسلامية، وهذه المدارس هي: المدرسة المنصورية في مكة المكرمة بناها سنة 641ه/1243م، وثلاث مدارس في مدينة زبيد: المدرسة المنصورية العليا لتدريس المذهب الشافعي وهي المعروفة في وقتنا الحاضر باسم العلوية العليا، والمدرسة المنصورية السفلى التي تعرف حاليا باسم المدرسة العلوية السفلى وخصصها لتدريس المذهب الحنفي، وأنشأ الملك المنصور كذلك مدرسة ثالثة في مدينة زبيد لتدريس الحديث، كما ابتنى مدرسة في مدينة عدن ومدرستين في مدينة تعز والمدرسة المنصورية في حد المنسكية بوادي سهام في محافظة الحديدة، و أمر الملك المنصور ببناء مسجدٍ في كل قرية من قرى تهامة، كما شيد العديد من الحصون والقلاع في مناطق مختلفة من بلاد اليمن والحجاز. 2

الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول

هو الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول ثاني ملوك الدولة الرسولية، ولد في مدينة مكة المكرمة سنة 619ه/1222م. . قُتل والده الملك المنصور عمر على يد بعض مماليكه في سنة 647ه/1249م، وكان المظفر حينها والياً على مدينة المهجم3، فتوجه إلى مدينة زبيد واستعان ببعض القبائل فحاصر المدينة حتى استسلمت فدخلها، فتولى الحكم وتلقب بالملك المظفر واستقام له الأمر وتمكن من القضاء على معارضيه ؛ ورد في بعض المصادر التاريخية بأن الملك المظفر كان عالماً فقيهاً زاهداً ماهراً في كثيرٍ من العلوم وألف مصنفات عدة في علوم شتى منها علم الحديث، وعلوم الطب والأدوية والعقاقير، وفي علم الفلك والمخترعات والصناعة والفراسة، وتذكر هذه المصادر كذلك بأنه كان ملكاً عادلا يأمر ولاته بالعدل وتبجيل العلماء، وكان محسنا ومحباً للرعية يحسن إليهم، كما كان محبوباً بين الناس، إذا شكا أحدهم عامله عزله وأدبه ولا يعيد تعيينه مرة أخرى، وكان وفارساً شجاعاً مقداماً وكريماً جواداً. توفي الملك المظفر سنة 696ه/1296م.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد