د. كمال بن محمد البعداني
طالعتنا بعض الصحف الأسبوع الماضي بمقال بعنوان "خاطرة من على سرير المرض" لكاتبه/ علي بن يحيى العماد، تكلم فيه عن الأحداث الجارية في صعدة، وكان مما قاله في مقاله أن من أسباب هذه الحرب هناك"هي وصية الملك عبدالعزيز لأبنائه أن سعادة السعودية بشقاء أهل اليمن"، ثم قال إن علي عبدالله صالح وعلي محسن كل منهما يريد إضعاف الآخر وأن الرئيس قد غرس في قلب ولده أحمد كره الهاشميين الذين من كرههم انتهى وهم باقون مستدلاً بذهاب الأمويين والعباسيين، ثم ذكر أنه لا يعرف أين وصلت الحرب ولا من يوقفها، فلا يوجد أمامه "رجل رشيد"، واختتم مقاله بإنذار شديد اللهجة بأن عقاب الله سينزل قريباً بحزب الإصلاح لأنهم يحاربون الزيود والهاشميين.
نحن نعلم بأن الأصل في الإنسان عندما يكون على فراش المرض فإنه يكون أقرب إلى التوبة أكثر منه إلى الفتنة، أما كلمات الوالد/ علي بن يحيى العماد فإنه تفوح منها رائحة الفتنة والعنصرية والحقد ومحاولة ضرب جميع الأطراف ببعضها سواءً داخل المجتمع اليمني أو على مستوى الجزيرة العربية، فوصية الملك عبدالعزيز المزعومة ما هي إلا وهم ومن نسج الخيال تماماً كقصة المهدي المنتظر الذي دخل السرداب ولم يخرج حتى الآن، فسعادة وشقاء أهل اليمن هي بيد أبناء اليمن أنفسهم لا بيد غيرهم فهل قادة التمرد في صعدة استقوا أفكارهم من الجامعات السعودية أم من الحوزات الإيرانية؟، وهل السعودية هي التي أتت بالمتمردين إلى بني حشيش ومولتهم؟، وعلى حد علمي أن العماد لا يطمئن لإجراء الفحوصات الطبية إلا في مستشفى الملك فيصل التخصصي ثم يأتي إلينا ويقول الوهابية الفنطسية... إلى آخر المعزوفة التي نعلم مصدرها ومغزاها.
وبالنسبة لقوله: "إن علي عبدالله صالح وعلي محسن كل منهما يريد إضعاف الآخر"فهذه إسطوانة مشروخة تردد من زمان لحاجة في نفس يعقوب ولو استمع الرجلان لمثل هذا الكلام لأصبحا الآن في خبر كان وربما أن العماد كان سيقول بعد ذلك أنهما انتهيا بسبب كرههما للهاشميين، إنهما قادة ورجال دولة وليسوا أطفالاً في حارة يتم الإيقاع بينهما بسهوله، ولا أدري كيف استنتج العماد أن أحمد علي نجل الرئيس أصبح يكره الهاشميين؟ هل لمجرد أن هناك قوة من الحرس الجمهوري تصدت للمتمردين في بني حشيش؟ وهل كان عليه الانتظار حتى يصلوا دار الرئاسة لكي يثبت أنه حمامة سلام كما قال العماد في مقاله؟ وهل كان سيبقى هناك حمام؟ لا اعتقد ذلك بل ستكون هناك غربان سود ستظهر لنا بنعيقها المخيف، ثم إني استغرب هذا الإصرار منه على تصوير التمرد الحالي أنه تمرد هاشمي من خلال قوله أن الدولة في محاربة التمرد فإنها تستهدف الهاشميين، لا اعتقد أن هذا الوصف يشرف أي هاشمي فالتاريخ لا يرمم، فلماذا هذا القول من الوالد علي العماد؟، وهل يعلم أن الكثير من الأفراد والضباط الهاشميين يقاتلون التمرد في صعدة وبني حشيش، وقد استشهد منهم الكثير، ومما لا شك فيه أن الكثير من الهاشميين لهم صفحات بيضاء ناصعة في التاريخ اليمني لا ينكرها إلا جاحد، ولا يمكن للجزء أن يشوه الكل، وما لفت انتباهي في مقال الوالد علي العماد هو قوله: إن الأمويين والعباسيين رحلوا لأنهم كانوا يكرهون الهاشميين"، سبحان الله، وهل كان ينتظر منهم أن يحكموا العالم حتى قيام الساعة، فقد استمرت الدولة الأموية 130 سنة في الشرق وأكثر من 400 سنة في الغرب، أما الدولة العباسية فقد استمرت أكثر من 700 سنة، وهل نهاية دولة بيت حميد الدين في اليمن كان بسبب كرههم للهاشميين؟ ثم أليس الهاشمي كبقية بني آدم يخطئ ويصيب، ينحرف ويستقيم؟، فلا يمكن أن يكون الحب جملة والكره جملة، ومع ذلك فقد كانت المفاجأة الكبرى التي اكتشفناها في مقال العماد هي أن العباس بن عبدالمطلب الذي ينتسب إليه العباسيون ليس من بني هاشم "مستدلاً بذهاب العباسيين لأنهم كانوا يكرهون الهاشميين"، وقد بحثت في كثير من الكتب لأجد دليلاً يؤيد كلام العماد بأن العباس بن عبدالمطلب ليس من بني هاشم فلم أجد حتى وقع في يدي كتاب اسمه "رجال الكشي"، وهو من الكتب المعتمدة للشيعة الإثنا عشرية في إيران، وفيه القول أن الآية الكريمة "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً" قد نزلت في العباس بن عبدالمطلب، فأدركت من أين مصدر هذه المعلومة عند العماد وخاصة أن معه فرعاً في طهران، فإذا كان الوالد العماد قد أخرج العباسيين من التصفيات التمهيدية فكيف سيفعل مع غيرهم، وعندما يقول أنه لم يجد أمامه في اليمن "رجل رشيد" فلن نجيب عليه لأن المرض له حكمه، وإلا أين ذهب بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- "الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان" أي أن الإيمان والحكمة والفقه باقياً في اليمن حتى قيام الساعة، وبما أن العماد قد حذر حزب الإصلاح من عقاب الله قريباً بسبب كرههم للهاشميين والزيدية- فأترك الإجابة لشقيقه الأصغر الشيخ/ عبدالرحمن بن يحيى العماد أحد قادة الإصلاح وأحد قادة الجبهة الإسلامية التي قاتلت إلى جانب الدولة ضد المتمردين في بعض المناطق الوسطى بداية الثمانينات، والذي لم يقل أحد في ذلك الوقت أن تلك الحرب تستهدف فئة معينة أو مذهباً معيناً، فالتمرد لا وطن له ولا مذهب، وطالما أن الوالد/ علي يحيى العماد قد كتب هذا الكلام وهو على سرير المرض كما يقول فنسأل الله أن يشفيه "من المرض".