هل تبقى أي مبرر موضوعي لاستمرار وجود «حركة عدم الانحياز»؟
هذا هو السؤال الذي يتكرر كلما انعقد مؤتمر لدول الحركة.. وأحدث هذه اللقاءات المؤتمر الذي اختتم مؤخراً في طهران.
نشأ السؤال في مطالع تسعينات القرن الماضي مع انهيار الاتحاد السوفييتي، مما أدى إلى انفراد الولايات المتحدة بالساحة الدولية.
ما بين الكتلة السوفييتية الشرقية والكتلة الغربية تحت الزعامة الأميركية، كانت مجموعة دول العالم الثالث تتخذ موقفاً مستقلاً حيادياً بما يكفل لها حرية الحركة في الساحة الدولية، مستفيدة من وضع «عدم الانحياز» لأي من الكتلتين العملاقتين.
هكذا نشأت الحركة قبل 47 عاماً بمبادرة من ثلاثة زعماء «جمال عبدالناصر (مصر) وجواهر لال نهرو (الهند) وجوزيف تيتو (يوغسلافيا)». ونعود إلى التساؤل: هل بقي لفلسفة عدم الانحياز دور موضوعي بعد أن زالت من على وجه الوجود إحدى الكتلتين العالميتين؟
للإجابة عن السؤال علينا أولاً أن نستدعي إلى الأذهان أن فكرة عدم الانحياز انطلقت أصلاً من حرص مجموعة دول العالم الثالث على حماية مصالحها الحيوية الذاتية من خطر التغول الأجنبي، سواء من الكتلة الغربية أو الكتلة الشرقية.
وإذن فإن السؤال المطروح يطرح سؤلاً آخر بحكم التداعي المنطقي: «هل أصبحت مصالح شعوب العالم الثالث في أمان بعد أن ذهبت الكتلة الشرقية في ذمة التاريخ؟». إن كان هناك أي تغيير دولي قد تبلور فإنه تغيير نحو الأسوأ، بعد أن دخلت دول العالم الثالث مرحلة يصح أن نطلق عليها «عصر الاستعمار الأميركي الحديث».
لقد صارت هذه الدول رهينة لنظام جديد للتجارة العالمية، تضع شروطه الشركات الأميركية العملاقة من أجل نهب موارد العالم الثالث، تكريساً لظاهرة الفقر والجهل والمرض باسم تحرير التجارة العالمية أو العولمة. إذن.. فالمتغيرات التي حدثت كتداعيات لزوال الكتلة الشرقية، تقتضي موضوعياً بقاء حركة عدم الانحياز كتنظيم لمناهضة الاستعمار الحديث.
لكن علينا أن نتنبه إلى أنه كي تتوافر للحركة فاعلية في ساحة الصراع الدولي، فإن عليها أن تتحول إلى كتلة اقتصادية وتجارية كجبهة موحدة.<