من المعروف أن الإنسان الذي يدعي لنفسه بأن لديه إمكانيات وقدرات بطولية وتجارب خارقة والتي بالتأكيد لا وجود لها، فهو يقول ذلك من أجل أن يكتسب شهرة أو نتيجة لحالة من حالات النقص التي تعاني منها شخصيته الذاتية وتغطيه ذلك عبرها، ومع مرور الوقت إذا لم يجد من يصارحه فإنه يتمادى في إضافة الكثير والكثير من الإدعاءات والأقاويل الكاذبة وتنموا عنده هذه الظاهرة المرضية ويصبح مسكوناً بها وتصديق ما ينتج عنها، البداية تكون مع الناس الذين لا يعرفون عنه شيئاً ثم مع أصدقائه وأقرب المقربين له الذين يجاملونه ولا يصارحونه تجاه كل ما يقوله من أكاذيب حتى لا ينعكس عليه سلباً من وجهة نظرهم.
إن مثل هذه الظواهر المرضية دائماً ما تنتشر بين أوساط المجتمعات المتخلفة، ونتيجة للملل وللفراغ القاتل، إن تحاشي مصارحة هؤلاء المنافقين يعود إلى أن الكلمة الصريحة والصادقة هي كلمة مرة لا تضاهيها مرارة الصبر على اللسان ولها وقع وتأثير قوي على من يمارس الكذب والنفاق، إضافة إلى المقولة التي تقول لا تقابل المرء لما يكره، رغم أن السكوت على قول كلمة حق، يعتبر صاحبه شيطان أخرس، وهو بذلك يسير على نفس الطريق طريق النفاق وتعلم أبجدياته ليجد نفسه بعد فترة من الزمن من عتاولة المنافقين الذين قال عنهم ديننا بأن مثواهم يوم القيامة الدرك الأسفل من النار خالدين فيها، إن العمل الوحيد لتهذيب وتربية المنافقين لن يتم إلا بمصارحتهم وعدم مجاملتهم أو السكوت عن أقاويلهم وادعاءاتهم الكاذبة حتى يعرفوا حجمهم الطبيعي وقدر أنفسهم.
أما المضحك المبكي في من يستمع للادعاءات الكاذبة والاكتفاء بالسكوت والتناغم بتحريك الأعناق، فإن ردود أفعالهم تعتمد على طبيعة ومكانة المتحدث المنافق، هل هو إنسان عادي وبسيط، أم أنه شخص غني أو مسؤول يمكن الحاجة له في يوم من الأيام، فهم في هذه الحالة يتعاملون كمن يتعامل مع الغني والفقير الذي قال عنهم أبو العلاء المعري:
يمشي الفقير وكل شيء صده والناس تغلق دونه أبوابها
حتى الكلاب إذا رأت رجل الغنى حنت إليه وحركت أذيالها
وإذا رأت يوماً فقيراً ماشياً نبحت عليه وكشرت أنيابها
لا يمكن الحديث هنا وبالتفصيل عن ما يقوله المنافقون عن أنفسهم وإعطاء نماذج عن ذلك لأنه يحتاج إلى مجلدات وتقتصر ذلك على بعض الأساطير الكاذبة التي ينسبها أصحابها المنافقون لأنفسهم، فعلى سبيل المثال البطولات الخارقة في المعارك والحروب التي تكون لهؤلاء فيها صولات وجولات وخوارق لا يصدقها العقل والمنطق، ماذا نقول عن أحدهم بأنه تصدى لوحده لقوة بريطانية تم إنزالها بالبراشون في إحدى الجبهات وأبادهم جميعاً، وماذا نقول عن أحد المهلوسين الذي ادعى بأن لديه قدرات وطاقات خارقة وكان له الفضل في تفادي القوة التابعة له من الإبادة الجماعية بإعطائهم الأوامر السريعة بالانتقال من مكانهم الذي سقط عليه بعد لحظات من انتقالهم صاروخ موجه كاد يفنيهم عن بكرة أبيهم.
وهنا يأتي في الأخير الدور الكبير والمسؤولية الكاملة التي تقع على عاتق علماء الدين في المساجد والتربويين في مختلف المؤسسات التعليمية لتربية الناس على الأخلاق الحميدة ومخاطر النفاق الذي حذر منه ديننا الحنيف.