ربما توقفت الحرب الروسية الجيورجية حول أوسيتيا بكل ما كشفت عنه معارك الأسبوع الماضي من مفارقات وتناقضات كاريكاتورية في المواقف وتباينات في الاصطفافات الدولية. . لكن المؤكد أن الصراع الأميركي الروسي حول القوقاز وفى آسيا الوسطى لم يتوقف بعد ، بل ربما بدأ بصورة أكثر سفورا بوجوه مكشوفة و بأدوات معلومة وهو ما ستكشف عنه الشهور والأعوام المقبلة.
من هذه التناقضات أن جورجيا التي مارست حق تقرير المصير واستقلت عن الاتحاد السوفييتي، ترفض التسليم بحق شعب جمهورية أوسيتيا الجنوبية في الاستقلال عن جورجيا أو الانضمام إلى جمهورية أوسيتيا الشمالية في إطار الاتحاد الروسي كما أعلنه في استفتاء عام!
كما ترفض أيضا الاعتراف بحق شعب جمهورية أبخازيا في الاستقلال أو الانضمام إلى الاتحاد الروسي طبقا لرغبة شعبها، وحاولت إجبار كل من الجمهوريتين بالقوة أكثر من مرة وفشلت، بينما رفضتا الخضوع للحكم الجورجي وبقيتا تتمتعان بالحكم الذاتي حتى في ظل الاتحاد السوفييتي، واستمرت تحاول السيطرة بالقوة على الجمهوريتين بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وحتى معارك الأسبوع الماضي ولم تفلح !. . لماذا الكيل بمكيالين. . ؟. . ولماذا لا تحل هذه القضية بتنظيم استفتاء بإشراف دولي محايد ليمارس شعباهما حق تقرير المصير ككل الشعوب الأخرى بدلا من استمرار النزاع ؟! ومن هذه التناقضات الموقف الأميركي بمعاييره المزدوجة من هذه القضية ومن القضايا الأخرى المماثلة في العالم، فبينما تؤيد انفصال استقلال كوسوفا عن صربيا ترفض استقلال أوسيتيا عن جورجيا.
وبينما لا تدين العدوان العسكري الجورجي على أوسيتيا تدين الرد الروسي على العدوان الذي سقط فيه جنوده القائمون بمهمة حفظ السلام قتلى في الهجوم الجورجي بينما القوات الروسية هي المسؤولة عن منع استخدام أحد الأطراف للقوة وذلك لحفظ السلام، وتعتبر هذا الرد عدوانا على جورجيا!!. والمضحك أن الإدانة الأميركية لروسيا في بيان الرئيس الأميركي ترتكز على «رفض العدوان على بلد مستقل ذات سيادة»، وطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وعودة القوات إلى مواقعها الأولى قبل الحرب. . جميل جدا هذا الكلام الأميركي الذي لم يعد يصدقه أحد. . فماذا عن الفعل الأميركي العدواني الذي يناقض هذا الكلام و يصدقه كل الناس؟
وما يثير الغرابة في بيان الرئيس جورج بوش هو أنه من قام بالعدوان على بلد مستقل ذات سيادة اسمه العراق، ومن ساند العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو 2006 رداً على أسر حزب لبناني جنديين إسرائيليين فقط، والذي منع مجلس الأمن من وقف فوري لإطلاق النار ودفع باستمرار الحرب ل 33يوما، والذي رفض انسحاب القوات الإسرائيلية إلا بقوات دولية من أراض لبنانية بقرار دولي أصر على ألا يدين العدوان!!. لكن ما يكشف المواقف هو أن الوجود العسكري الأميركي والسلاح الإسرائيلي في جورجيا، والمشاركة الجورجية بقواتها لهما في العدوان على العراق بينما يهددان بالعدوان على إيران يؤكد لحساب من يلعب ساكاشفيلي ، خصوصا مع قول المندوب الأميركي «إن العدوان الروسي وليس الجورجي يستهدف تغيير نظام حكم الرئيس المنتخب».
مما دفع بالمندوب الروسي للرد متهكما «إن لعبة تغيير الأنظمة بالقوة هي اختراع أميركي». فهل يحق لمن يشن العدوان لتغيير الأنظمة العربية والإسلامية بالقوة العسكرية الكلام عن رفض تغيير الأنظمة بالقوة أو إدانة العدوان. . في جورجيا أو في أي مكان ؟ !!.