;
حسين العودات
حسين العودات

مغامرة جورجية ومگاسب روسية 1291

2008-08-24 02:18:18


أعمت الدعاية الغربية (الأميركية والأوروبية) عيوننا عن رؤية الصراع الجورجي الروسي المحتدم منذ عدة أسابيع على حقيقته، وشارك في التعمية السياسيون الغربيون والإعلام الغربي، حتى كاد الرأي العام العالمي يقتنع بحصول عدوان عسكري من الدولة الكبرى على أراضي الدولة الجورجية المسالمة.

وأن الدب الروسي تحرك بهمجية ما كان لها أن تحصل لو كان الخلاف مع دولة قوية، وأنه حسب رأي الرئيس بوش استغل (عدم التكافؤ) القائم بهدف تحقيق مكاسب بقوة السلاح. دون أن تتعرض الدعاية الغربية إلى أصل الخلاف وإلى أسباب الصراع العسكري الحالي وانفجاره فجأة وأن تتلمس النتائج الاستراتيجية له سواء على نطاق المنطقة أم أوروبا أم العالم.

أصل المشكلة أن (ستالين) وهو جورجي كلف من قبل لينين بعد قيام الاتحاد السوفييتي بإلقاء الضوء على المشكلة القومية بل بدراسة المشكلة القومية، وألف كتاباً حول هذا الموضوع، واعتُبر كتابه فيما بعد (أي بعد توليه رئاسة الاتحاد السوفييتي ومن معظم الماركسيين) أنه البلسم الذي يحل مشكلة القوميات حلاً جذرياً وأبدياً.

وكان من جملة تطبيقات دراسته هذه أن ضم (أوسيتيا الجنوبية) وأكثرية سكانها المطلق من الروس وأبخازيا إلى جورجيا عام 1931 وجعل من هذه الأخيرة جمهورية فيدرالية، وبطبيعة الحال لم يؤخذ رأي السكان في هذا الضم لا باستفتاء ولا بأي نوع من أنواع الاستشارة.

وبقيت هاتان المنطقتان مضمومتين إلى جورجيا حتى عام 1992 عندما استقلت هذه عن الاتحاد السوفييتي، فرفضتا البقاء في كنف جورجيا وأعلنتا استقلالهما عنها في العام نفسه (لم تعترف به أي دولة في العالم) ثم جرت صراعات عسكرية مع جورجيا التي حاولت ضمهما بالقوة لكنها فشلت وخسرت آلاف القتلى بعد أن لاقت هاتان المنطقتان دعماً روسياً عسكرياً ومادياً ومعنوياً، وبقيت الأمور مجمدة حتى قبل عدة أسابيع حين بدأت المغامرة العسكرية الجورجية.

من طرف آخر، ترأس جورجيا ميخائيل سيكاشفيلي وهو مهاجر جورجي في الولايات المتحدة لاقى دعماً غير محدود من الإدارة الأميركية عند عودته لبلاده فانتخب رئيساً للجمهورية، وفتح أبواب بلاده للأميركيين الذين سلحوا جيشه بأفضل الأسلحة واختطوا له سياسة بلاده تجاه روسيا، وللإسرائيليين الذين قدموا له السلاح والمعدات ودربوا جيشه (يحمل وزير دفاعه الجنسية الإسرائيلية) وزودوه بأعداد كبيرة من الخبراء.

وهجّروا منها إلى إسرائيل (60) ألف يهودي وبقي فيها (20) ألفاً فقط، وأصبح النظام السياسي برمته في الواقع حليفاً للولايات المتحدة ولإسرائيل إن لم يكن أكثر من ذلك، لكن الأوروبيين رفضوا قبول جورجيا عضواً في حلف شمال الأطلسي وفي المنظومة الأوروبية باعتبارها لم تحل مشكلتي أوسيتيا وأبخازيا، ولا يمنح الأوروبيون العضوية لأي دولة مرشحة إذا كان لديها مثل هذه القضايا المعلقة.

من الواضح أن الإدارة الأميركية قدرت أن الوقت مناسب كي تستعيد جورجيا سلطتها على أبخازيا وأوسيتيا مفترضة أن روسيا غير قادرة على التدخل العسكري، ولتحقيق جملة أهداف أخرى منها إضعاف روسيا أو إظهار ضعفها وتخاذلها على الأقل وقبول جورجيا عضواً في المنظومة الأوروبية والأهم قبولها في حلف شمال الأطلسي وتموضع قواته على حدود روسيا الجنوبية وفي قلب القوقاز، وما يمهد الطريق لقبول أوكرانيا أيضاً في هاتين المنظمتين.

وبسبب هذا التقدير حرّضت ساكاشفيلي على إعادة احتلال أوسيتيا بالقوة العسكرية، فتقدم الجيش الجورجي في الرابع من أغسطس الحالي واحتل قسماً منها ودمر عاصمتها وتجاوز عدد القتلى (2000) ضحية، ثم فوجئ الجميع (أميركيون وجورجيون وأوروبيون) بالرد الروسي العسكري الحازم، الذي استطاع طرد القوات الجورجية واحتلال أراض جورجية وتهديد العاصمة تبليسي، وعندها بدأ الصراخ الجورجي والأميركي والغضب الأوروبي، وتحركت الدعاية الغربية فأهملت أن جورجيا هي البادئة وأن التدخل الروسي العسكري جاء رداً على الحماقة الجورجية.

يعرف الأوروبيون خفايا المشكلة وقد صرح الرئيس ساركوزي باعتبار بلاده رئيساً للمنظومة الأوروبية (أنه يتفهم دفاع روسيا عمن يتكلمون لغتها) ولذلك فإن أقصى ما طالبت به بلدان أوروبا هو وقف القتال وانسحاب القوات العسكرية من الجانبين وإعادة الأوضاع لما كانت عليه.

أما الصخب الكبير فقد جاء من الإدارة الأميركية ضد ما سمته العدوان الروسي (وكأنها لم تعتد على العراق وأفغانستان وغيرهما) وتهديد الروس استقلال جورجيا وسيادتها (وتناسى الرئيس بوش انتهاكه استقلال سيادة عدة دول) وضرورة عودة المنطقتين إلى (البلد الأم) والتأكيد أن روسيا تراهن على علاقاتها المستقبلية مع الغرب وغير ذلك من التهديدات التي يشي الواقع بأنها تهديدات كلامية ليس إلا.

يبدو أن نتائج الصراع تشكل مرحلة جديدة في الاستراتيجية الكونية لعالمنا المقبل، فقد أثبتت روسيا أنها جديرة باستعادة دورها الإقليمي في منطقة القوقاز ووسط آسيا، وأنها بدأت استعادة دور جديد في السياسة العالمية (ومن يعرف فقد تكون هي والصين وأوروبا أقطاباً عالميةً تلغي موضوع القطب الواحد) وبالتالي تفرض تعددية الأقطاب على العالم.

وهذا يعني تراجع الدور الأميركي كقطب وحيد أوحد. ولكن في الوقت نفسه سيزداد الجهد الأميركي لإقامة قواعد عسكرية في دول أوروبا الشرقية وربما في أوكرانيا وجورجيا وغيرهما.

مما يهيئ المناخ لما يتجاوز الحرب الباردة في المنطقة والعالم. ومن بديهية الأمور أن دول أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق (الجمهوريات المستقلة) ودول البلطيق شعوباً وحكومات بدأت تعيد النظر بمواقفها آخذة بعين الاعتبار القدرات الروسية التي كانت نائمة وبالتالي ستراجع رهانها العلني والمضمر على النفوذ الأميركي وعلى السياسة الأميركية التي لا تنتصر إلا لمصالحها.

وهكذا ارتدت المغامرة (الأميركية الجورجية) على أصحابها فأوقعت بهم الخسائر، وقدمت لروسيا المبررات والشروط الضرورية لتعبر عن نفسها كقوة عالمية قادمة، وقد نجحت السياسة الروسية في استغلال الخطأ (المغامرة) وتحقيق مكاسب بعيدة التأثير.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد