;
محمد خالد الأزعر
محمد خالد الأزعر

فگرة «الأبدية» في الخطاب الصهيوني 1462

2008-08-27 02:40:03


اعتقد النازيون أنهم أرسوا قواعد لنظام سوف يدوم لألف عام على أقل تقدير. وما ان مر عقد ونيف من السنين حتى كان (رايخهم) أثرا بعد عين، وأصبحوا هم أنفسهم مطرودين ومطاردين ومطلوبين للعدالة الإنسانية في الجهات الأربع.

ومع أن الصهيونيين في شطرهم اليهودي كانوا بحسب زعمهم في طليعة ضحايا النازية فكرة وحركة، إلا أنهم استلهموا كثيراً من أفكارها وممارساتها، بل واظهروا تفوقاً عليها في بعض الجوانب، لا سيما ما يتعلق بالثقة في انحياز القدر والتاريخ إلى جانبهم وأن انتصارهم النهائي هو في حكم اليقينيات.

فعندما نستذكر، علاوة على القواسم المشتركة الكثيرة، إيمان النازيين بدوام دولتهم ونتأمل مقولات الصهيونيين حول «أزلية» وجودهم وحقهم في أرض إسرائيل و «أبدية» القدس كعاصمة لهذه الأرض علاوة على هذه «الأبدية» بالنسبة لسيطرتهم على مناطق بعينها من فلسطين التاريخية، لابد أن نوقن بوجود صلة قوية بين العقلين النازي والصهيوني مع منح الصهيونيين ميزة التفاؤل الزائد، كونهم علقوا مشروعهم ومستقبل طموحاتهم ورؤاهم بذمة «الأبدية» و«الأزلية» وليس بألف عام فقط!.

يتفوق الصهاينة جميعهم على النازيين في باب الإيمان بصحة مسارهم التاريخي وفي الوقت ذاته يتوزعون على درجات ومراتب من «الثقة بالمستقبل». وفي هذا الإطار تقع القوى المعروفة باليمين من النخبة الحاكمة في إسرائيل الآن في الدرك الأعلى.

فقد تعودنا مطولا مزاعم معظم الزعماء الصهيونيين والإسرائيليين بأن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، وأزلية حق اليهود في أرض الميعاد، لكن الموصوفين باليمينيين مثل بنيامين نتانياهو وصحبه استحدثوا أخيراً إضافات لما يقع في حيز الأبدية الصهيونية اليهودية. فهم يتحدثون مثلا عن أن «منطقة وادي الأردن في الضفة المحتلة سوف تبقى تحت سيطرة إسرائيل إلى الأبد، وأن حكومة إسرائيل تعتبر أن هذه المنطقة لا يمكن فصلها عن إسرائيل في أي اتفاق سلام دائم». . !. وقد تأتي الأيام بتخصيصات جغرافية أخرى تضاف إلى هذا الحيز.

ولأن الأبدية والأزلية مفهومان يفيدان الاستمرارية إلى ما لا نهاية أو الخلود والدوام مدى الدهر، وكذلك يتعلقان بالبداية الأولى للوجود ولهما دلالة صارخة على الآفاق الزمنية بمعناها الماضي والمستقبل بلا حدود، فإن التعلق الصهيوني بهما يتعارض مع أكثر من مظهر للمنطق والعقلانية، بما يؤكد أسطورية الادعاء بهما وخروجه عن جادة التاريخ المفهوم وطبائع الوجود ذاته.

لا تستقيم فكرة الأبدية بداهة وسنة التغيير باعتبارها إحدى حقائق الحياة. الديمومة والخلود ليسا من طبائع المخلوقات جميعها بما في ذلك الدول والمدن. . ومن يدعيهما لنفسه بالمطلق وبلا تحوط بالنسبية والتاريخية المقيدة، لابد وأنه يتوهم بأنه اتخذ مع الخالق عهداً يمكنه بمقتضاه تجاوز الطبيعي والمعتاد.

ولعل هذا يقودنا إلى مصدر الفكرة المطروحة للأبدية بصيغتها الصهيونية. فثمة مجال لإحالة الفكرة للعقيدة الصهيونية عن الأرض الموعودة التي ينبغي أن تكون دولة إسرائيل، والقدس الموعودة التي يتعين حتماً أن تصبح عاصمة لهذه الدولة.

تأسيساً على ذلك بوسعنا تصديق القائلين ان الصهيونية العارية لا تزال حية تسعى، وان المسافة التي قطعتها القيادة الإسرائيلية بعيداً عن البعد الأسطوري لهذه العقيدة الحاكمة منعدمة تقريباً، وان العملية السلمية ومسار التسوية لم يغيرا ثابتا لدى العقل الحاكم في إسرائيل. ولعله ما زال علينا أن ننتظر نتائج كارثية أخرى لهذا النمط من التفكير.

والحق ان المحاجاة العقلية الممتدة بين الأطروحات الصهيونية بعامة ونقادها تتضمن ما يدحض الأسس التي تقوم عليها فكرة «الأبدية» والعهد المزعوم مع السماء. هذا فضلاً عن إمكان تسخيف الفكرة ذاتها من منطلقات منطقية موضوعية بعيدة حتى عن دائرة اللاهوت، لأنها تتعارض مع مشاهدات الحياة العادية وما يعتريها من تغير منذ الأزل والى الأبد.

فإذا لم تكن الانتقادات والتجريحات المطولة بحق مقولات الصهيونية المستندة إلى مفاهيم دينية كافية لجعل القائلين بفكرة الأبدية الصهيونية يمقتون مقاربتهم للصراع على أرض فلسطين ومن حولها، وإذا كان المنطق والتأمل في حقائق الوجود المتغيرة دوماً عاجزين عن إقناعهم بلا عقلانية هذه الفكرة، فإن بإمكاننا التعامل مع الأمر على مستوى أكثر بساطة ووضوحاً لمن أراد الفهم منهم، ولهذا مقام آخر.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد