بقرار حزب الرابطة الإسلامي بزعامة نواز شريف الوقوف في جبهة المعارضة السياسية، وإنهاء التحالف مع حزب الشعب الباكستاني بزعامة آصف زرداري، لعدم وفاء الأخير بتعهداته بعودة القضاة المفصولين، في ظل مخاوفه من أن تشكل هذه العودة فتح ملفات استبداد مشرف أو فساد زرداري، انهار التحالف السياسي الذي تشكل بين الحزبين مرحلياً.
للإطاحة بالجنرال مشرف وإعادة الحكم المدني بالوسائل الديمقراطية بعد تحقيقهما للهدف المشترك بإجبار مشرف على الاستقالة. وربما لم يكن ذلك مفاجئاً للمتابعين للتناقضات في الرؤى والمصالح السياسية بين الحزبين المتنافسين، واللذين تناوبا على الحكم أكثر من مرة في الفترات المدنية.
والتي قطع فيها حكم الجنرالات بانقلابات عسكرية استمرار الحياة الديمقراطية، بما جعلهما في باكستان أشبه باحتكار الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري في أميركا للحكم، أو العمال والمحافظين في بريطانيا. لكن الأمر لا يتعلق بالمفاجأة.
وإنما بالاهتمام بمستقبل باكستان السياسي الداخلي والخارجي تبعاً لتوجهات وتحالفات الحزب الحاكم والرئيس القادم لباكستان، وارتباط ذلك بتحالفاتها الإقليمية والدولية، وانعكاساته على الأمن العربي والإسلامي، خصوصاً في ظل صعود التوترات في القوقاز وانعكاساتها على آسيا الوسطى، مع تصاعد التباعد الأميركي الروسي وتزايد احتمالات المواجهة المباشرة الباردة أو الساخنة غير المباشرة بالوكالة في الشرق الأوسط الكبير أو الصغير، لا فرق.
فلقد ظلت باكستان دوماً بما تمثله من وضع جيو استراتيجي مهم منذ تأسيسها وحتى اليوم، محط اهتمام ومتابعة من محيطها، سواء قبل انقلاب الجنرال مشرف على الحكومة الديمقراطية أو بعد تنحي الرئيس مشرف عن السلطة.. إلا أن الشعور بالقلق هو الذي يسود في ذلك المحيط، للغموض الذي يكتنف مستقبل الحياة السياسية الباكستانية بعد انهيار الائتلاف السياسي الحاكم في باكستان، وفي ظل الخريطة الإقليمية المعقدة والخريطة الدولية المتشابكة.
يضاعف من هذا الاهتمام حساسية موقع باكستان الإسلامية وقربها المباشر من قوتين كبيرتين، هما الهند العلمانية والصين الشيوعية، في ظل مراحل من الاشتباك الهندي الباكستاني حول مستقبل إقليم كشمير من ناحية، والاشتباك الهندي الصيني على الحدود من ناحية أخرى، وبتفاعلات هذه المسائل المعلقة في هذا المثلث على وقوع باكستان النووية في منطقة التجاذب بين هاتين القوتين النوويتين.
كما يأتي وقوعها في الجوار المباشر لأفغانستان سبباً إضافياً لمضاعفة الأهمية والحساسية في خريطة الاستراتيجيات المتصادمة للصراع الدولي، سواء بتحالفها مع أميركا في الحرب ضد الروس في أفغانستان والتي انتهت بحكم طالبان بدعم باكستان، أو في إذعانها لأميركا بالحرب ضد طالبان الأفغان باسم الحرب الأميركية على الإرهاب ضد إرادة غالبية شعب باكستان، والتي انتهت بغرق الأطلسي بقيادة أميركا في مستنقع أفغانستان، وفي نهاية عهد مشرف بالحرب ضد طالبان في باكستان!
وكذلك لأهمية موقع باكستان القريب من إيران، لإسرائيل وأميركا ومحاولاتهما توظيف التباين المذهبي وإثارة التناقض الإقليمي للنفاذ بينهما، لتحقيق الخطط والمشاريع الأمنية لهما في المنطقة العربية والإسلامية، خصوصاً وأن إسرائيل على لسان شارون تعتبر أن المجال الحيوي للأمن الصهيوني يمتد من باكستان إلى أواسط إفريقيا.
وعلى الأخص لسعي أميركا بتحريض إسرائيل إلى ضرب إيران، لإزالة أي تهديد للأمن الإسرائيلي يحول دون انفرادها بالقوة النووية في «الشرق الأوسط الكبير»، تحت غطاء إجهاض المشروع النووي الإيراني. وفي كل الأحوال فإن القاعدة التي ثبتت صحتها في باكستان وفي غير باكستان، هي أن إغضاب واشنطن برفض الإذعان لمخططاتها وتفضيل إرادة الشعب ومصالح البلاد، هو الأقل كلفة من محاولة إرضائها!.